إن أجمل ما تحتاجه الأمة في هذه الظروف المراجعة الفكرية والتدين الصحيح والفهم الواعي لمقاصد الشريعة, لكي يبعد الفرد عن الاستبداد والاستلاب الفكري, والتوجه الصحيح حينها نحو ما ينفع الناس, فهو الذي سيمكث في الأرض وغيره سيزول.. احتفلنا جميعاً بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم, كلٌ على طريقته ووفق ما سمح له الزمان والمكان, وأخص هنا اليمنيين كافة, فقد مر بهم هذا الميلاد مختلفاً عن سابقاته من الأعوام, والتصارع والتشاحن على أشده وغياب الرؤية الواضحة للمستقبل لدى الكثير, مع الانهزامية والفقر والجوع وشبح الاقتتال , لكن نجح ميلاد الرسول بلمِّ الشمل قليلاً, والتذكير بأن هناك روابط مقدسة تجمعنا, غفلنا عنها أو تغافلنا بالأصح, فرأينا ساعات موحدة في قنواتنا الفضائية, وقد توحدت على بث الأناشيد المدحية البديعة للذات المحمدية الخالدة.. لكن المراجعة تحتاج هنا فالكثير من الدارسين أرجع الظهور الحقيقي للمدائح النبوية إلى فترة الضعف والانهزام التي مرت بها الأمة, فأشهر القصائد المطولة كقصائد البوصيري قيلت في زمان الحملات الصليبية على بلاد المسلمين ... واليمن في قرون عشرة خلت نجد آلاف الأسماء, وقد لا أبالغ ممن مدحت ودبجت الملاحم النبوية, فهناك الكثير ممن ارتبط اسمهم بالمديح ك “السودي وابن علوان والبرعي والكثير من آل الأهدل والعيدروس وابن كثير” وغيرهم من المتصوفة, فعند استعراضنا لها نجد الجمال الصافي, الذي ارتبط بالزهد والتصوف بمعناه الخالص, بأن تعبد الله كأنك تراه, وهذا يقودك لأن تتمثل كل التعاليم السماوية والشمائل النبوية, التي اختص بها رسول الله فنجعلها منهجاً واقعياً لا شعارات ترفع وخطب تقال و مقالات تدبج, وذلك بأن تحب كل الناس دون استثناء, وأن تجعل من التعايش هو مقصدك العظيم, وأن تفعل الخير وتحث عليه وتحسن حتى للمسيء إليك.. حب الرسول غاية جليلة ومقصد سام لنحقق ما نصبو إليه, فلا الهتاف باسمه ولا النسب إليه ينفعنا, ما لم نستخدم ونفعّل عقولنا وأيدينا وملكاتنا, التي سخرها الله لنا لحل مشكلاتنا وتوحيد كلمتنا وتحديد أهدافنا وغرس مفاهيم الحياة الحقيقية بأن نكون فيها إيجابيين ومنتجين لا عالة على العالم .. لذا من أجمل الاحتفالات وأصدقها كما شاهدتها هي احتفال الماليزيين, وقد وصلوا إلى مرتبة عالية بين الأمم, فأصبحوا يفاخرون بانتسابهم إلى هذا الدين, وحق لهم أن يدعو إليه؛ لأنهم غدوا قدوات يجب أن تحتذى ونماذج يجب أن تتبع, وفق مفردات الحضارة والتمدن وفنِّ عمارة الأرض, وهو الفن الذي لن يتقنه إلا من تشرب حب الخير وحب الحياة الحقيقية والدعوة لها.. دعوة محمد عليه الصلاة والسلام دعوة للحياة وعمارتها, ولم تكن ولن تكون دعوة للشر والموت, وإن حاول البعض تجذير هذا المفهوم في عقول العالم وعوا ذلك أم لم يعوا لكنه الظاهر والمعايش لتوظيفهم الفج وتعايشهم الصعب ولا تسامحهم الواضح مع من يعايشهم ويخالفهم قليلاً بقضايا هامشية ومفردات بسيطة لست من صلب الدين وأهدافه الرئيسة.. فنحن بحاجة إلى التخطيط العملي والبرامج الحقيقية, التي تريد إخراجنا وانتزاعنا من بوتقة الكره والحقد والقتل والخوف, وإخراجنا إلى عالم أكثر سعة ودنيا فيها من البحبوحة و العيش المشترك, وفق قيم الإنسانية والتعايش والبناء .. نريد التنمية الحقيقية للإنسان هنا الذي قتله التمترس والجهل والمرض والفقر.. نحن بحاجة إلى حب الرسول, ولكن قبله العودة الحقيقية والانتهال من معينه العذب الصافي الوداد, الذي يعلمنا التراحم والإعذار لبعضنا البعض, ليؤكد على أخوتنا وتسامحنا وعظمتنا التي نستمدها من عظمة تعاليمه.. فهناك شروط لا بد أن نقبل بها لنحقق الإتباع له صلى الله عليه وسلم, أولها أن نقبل بالآخر, وأن نعمل مع الجميع وفق الممكن من أجل المصالح الكلية للأمة والوطن, وأن نحذف عبارات التشاحن والعنصرية من قاموسنا وخطاباتنا الدينية والسياسية, أن نوجد البرامج التي تحقق لنا التنمية المستدامة, لنكون في مصاف دول العالم, نتحرر من الفساد والمحسوبية, نفعِّل القضاء, نعيد حقوق الناس, الجهر بالحق, وإن سجنا وقتلنا في سبيل ذلك.. وقبل كل ذلك لا نريد من يتخذ من الإسلام ومقدساته وسائل ليحقق أهداف ومطامع لا ترقى إلى أحلام الناس وتطلعاتهم في الحياة, لا نريد من يرعد ويزبد ويصيح ولا يعطينا حلولاً عملية للخروج من آزماتنا, ولا ينبهنا إلى الطرق السليمة لصون حقوقنا والدفاع عنها, ولا يؤمننا على أرواحنا وممتلكاتنا, لتطمئن قلوبنا به وبمشروعه, الذي يجب أن يكون تنويرياً علمياً واقعياً خالصاً .. أما خطابه وتدبيجه وإرغاؤه وهذيانه لا يدلنا إلا إلى عجزه وتقليده لآخرين فيظن في نفسه ويريد أن يوهمنا بأنه وصل إلى درجة من درجات الكمال والولاية, وأنها تنجيه وتنجينا فهو واهم, يجعلنا ننتظر المعجزات المبكيات المضحكات لقدر غير آت إلا في خيالاته المريضة ومن اتبعه بإحسان ودافع عنه بكرم وسخاء, فإن زمن المعجزات انتهى بوفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لنعي جميعاً ذلك.. رابط المقال على الفيس بوك