الشهداء هم الأكرم منا جميعاً، فهم من جاد بأغلى ما لديه وبما نخاف أن نجود به، الروح والدم، فكانوا وقوداً لثورة ينبغي أن تستمر حتى تحقق كامل أهدافها، وكانوا زيتاً لشعلة التغيير التي ينبغي أن لا تنطفئ، وهم بذرة الأمل في الغد المأمول التي ينبغي أن تنمو وتكبر، وهم القدوة التي يجب أن تقتدى، وهم العنوان النبيل لحياة كريمة نتأمل أن نحياها، وهم الراية الخفاقة على كل الرؤوس والهامات، التي ينبغي أن لا تسقط. الشهداء نقطة ضوء كبيرة في ليل القتل الباغي، وهم الدماء الزكية التي تتجدد بها الدورات الدموية لجيلنا والأجيال من بعدنا، وهم الرئة النقية التي نتنفس بها، والتي ينبغي حمايتها لتستمر الحياة بها نقية وسامية. الشهداء ليسوا مجرد أناس ضحوا بأغلى ما لديهم وذهبوا، بل هم شهداء المضامين القيمية التغييرية الثورية السامية، فهم بذلك أحياء يسيرون بيننا ما دامت هذه المضامين حادية للفعل الإنساني النبيل، لأنها تذكرنا بهم، وبها نعيش الحياة الأمثل ونتعايش بروح السمو والترفع عن الصغائر التي نبذها الشهداء، وأسرعوا نحو الأمور العظيمة وتناسوا ذواتهم، وذابوا جسداً ودماً وروحاً في الذات المجتمعية الجمعية، ونسجوا فيها علو همتهم وتقديسهم للكرامة الإنسانية. الشهداء بهذا المقام الرفيع، الذي وصفنا بعض ملامحه، يستحقون كل التقدير، والخلود في ذاكرة الشعب وأجياله المتعاقبة، وتستحق أسرهم التكريم والرعاية، ولا تستحق الإهمال والعنت والعبث بتضحيات شهدائها الأكرم منا جميعاً. إن اعتصام أسر الشهداء أمام المحافظة رسالة قوية لحكومة الوفاق وللرئيس التوافقي، وكل مسئول جاء على تضحيات الشهداء، وكل القادة السياسيين الذين يدعون وصلاً بالثورة ومسارها التغييري، رسالة تقول لهم جميعاً: استحوا من جرمكم المشهود المتمثل بالصمت عن الفعل، والهذيان بالتصريحات، رسالة تقول لهم: كفوا عن أغنياتكم وتغنيكم بالشهداء والجرحى، والادعاء أنكم تتمثلون تضحياتهم وتعدونها أساساً في نضالكم وعجلات مساركم السياسي غير المتوازن، والذي لم يشهد بناءً محكماً في مقدماته، فجاء المسار مترنحاً، يفتقد للبصر والبصيرة، يسير على هدى ضوء قيل إنه الدليل وهو في الواقع لا وجود له، فهو الوهم بعينه، ومعاناة أسر الشهداء والجرحى الذين لم يتمكن مساركم السياسي من حمايتهم وتقديم الرعاية الواجبة لهم خير شاهد ودليل. إن أبسط حقوق الشهداء والجرحى، إقرار العدالة في الاقتصاص من المجرمين الذين سفكوا دماءهم، ورملوا نساءهم، ويتموا أبناءهم وجعلوا الجرحى في أوضاع نازفة لا تتوقف في الأمل وروح الثورة. لا أدري حقيقةً كيف يغمض لكم جفن وأنتم تشاركون في صناعة القرار ولا تقدرون على صناعة القرار الذي يحفظ حقوق “الأكرم منا جمعياً” وإصداره وإنفاذه والسهر على تحقق معانيه وأبعاده، وبما يحفظ للشهداء والجرحى مكانتهم، ويحفظ الروح الثورية التي كونوها بدمائهم الزكية في أوساط الثائرين، إن الإهمال والتباطؤ في منحهم حقوقهم الكاملة، يشكل رسالة في الاتجاه المعاكس تقول للثوار والثائرات: لقد أخطأتم الطريق، وإن الهدف المقصود هو غير ذلك الذي قصدتموه، وهي رسالة لعمري خائبة، وتحدد مصير غير محمود لمستقبل السياسيين الذين ركبوا موجة الثورة، وطعنوها في أنبل ما فيها. إن أسر الشهداء والجرحى، يصرخون من تعز، ويقولون لصنعاء السلطة والقرار أين هو القرار الذي يحاكم المجرمين والقتلة وينتصر لحقوق الشهداء، الجرحى، ويعيد للثورة وهجها، وللمسيرة السياسية فعلها ويضعها على قاطرة المسار الثوري للتغيير بتلازم حميد، وغاية نبيلة يستقيم فيها الفعل السياسي وينسجم مع الفعل الثوري ويسند كل منهما الآخر. فهل نسمع عما قريب وعاجلاً فعلاً في هذا الاتجاه، إنا لمنتظرون. والله من وراء القصد. رابط المقال على الفيس بوك