كانا عظيمين كان أميرين كانا سيدا قومٍ وكنا نحبهما كانا رمزاً لحلمٍ مشرقٍ وصحونا على إيقاع مجدهما. حتى وأنا أكتب عن «العليين» أعلاه، كدت أن أكتب شعراً فيهما، وأن ألهج بذكرهما كما فعل الجيل السابق حين رآهما يصوغان مجد اليمن، ويوقعان على وحدة البلاد المشطر، فتعالت صورهما، واسماهما في القلوب والمباني والطرقات... وبعد أقل من ربع قرن قذفهما قرار أممي وآخر شعبي إلى مهاوي الردى. في نوفمبر 1989 كانا علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض في تعز يتفقان على أن يكون يوم 22 مايو 90 موعداً لتحقيق الوحدة الاندماجية بين البلدين، وكنت يومها في مدينة جدة السعودية برفقة أبي، كنت في السنة الابتدائية الخامسة، أتذكر الآن ذلك التاريخ في بلد المهجر، وكأنني كنت في مهمة لرصد مشاعر المغتربين والعاملين بإباء اليمني الجسور، كان اليمنيون يرقصون ويغنون في شوارع جدة، وكأنهما في حفلة عرس جماعي. كان على حرب الخليج أن تؤخر نفسها سنة وبضعة أشهر ريثما يستعد الجيش السعودي لطرد مئات آلاف اليمنيين، فقد غضب «آل سعود» من ذلك الأهوج الأنيق الذي قال: نعم لصدام، ونعم لاحتلال الكويت، وجعل الآلاف يخسرون الجار والمال والكرامة، إذ يصعب على الجائع أن يحتفظ بكرامته. تغنى الناس بمجد «العليين» وتنعما هما بالأغاني الطازجة، والقصائد المستجدية للعطاء، البيض كان زعيماً ومنعماً لعامين، ثم حنق في العام الثالث 93م، ثم معتكفاً ومعلناً للحرب في الذكرى الرابعة للوحدة، وفي الذكرى الخامسة أصبح عُماني الجنسية ولاجئاً سياسياً في الجوار. كسب صالح وحلفاؤه حرب 94م التي دشنها البيض بغرض العودة باليمن إلى الحالة الشطرية، وبحلول الذكرى الخامسة للوحدة وما تلاها كان علي صالح يعيش زهو الانتصار، وسنوات المجد الزائف، وتعامل مع المحافظات الجنوبية كغنيمة حرب، وسمح للنهابة والمتنفذين أن يستبيحوا أراضي الجنوب وتهامة، وأن يأخذوا ما طاب لهم من المال العام، وليس أمامهم شيء محظور غير معصية ولي النعم. 16 عاماً انفرد فيها صالح بالمال والجاه والسلطة والثروة والقصائد الساذجة، وتقدمه وسائل الإعلام الرخيصة وهو يوقع على اتفاقية الوحدة لوحده، ويرفع العلم الوطني لوحده، ويلعب التنس في نادي التربة بالحجرية لوحده، فقد أزيح البيض من المشهد. وفي 22 مايو 2011 كان صالح يحتفل بالذكرى ال21 للوحدة منفرداً، بشرعية مهزوزة، دون جموع شعبية، ومصفقين محترفين، فقد اندفعت ملايين الناس إلى ساحات وميادين الثورة تطالب بإسقاطه ونظامه الفاسد، وبعد 11 يوماً من ذلك التاريخ شاهد صالح لأول مرة مخالب الموت الذي كاد أن ينتزع روحه، في حادثة تفجير جامع دار الرئاسة، بصنعاء. وفي ذات الذكرى من العام التالي، منحه نفسه لقب الزعيم، بعد أن انتزع الشعب منه شرعية الحكم، ومنحه لسلفه هادي. لتكون الذكرى ال23 للوحدة أشد الذكريات إيلاماً؛ إذ ستمر بعد ثلاثة أشهر من الآن، وقد التحق ورفيقه البيض بقائمة المطعونين بوطنيتهما، وأصبحا عبئاً على اليمن بإجماع شعبي وأممي. عشية السبت الماضي كنت أستمع إلى بيان مجلس الأمن، قلت لنفسي: لقد تعود البيض وصالح على الماركات العالمية، حتى «الدبور» الذي لحقهما كان عالمياً!. رابط المقال على الفيس بوك