بعيداً عن خطاب المجاملة فإن الزيارة الميدانية التي يقوم بها الأخ عبدربه منصور هادي ، رئيس الجمهورية إلى مدينة عدن إثر المواجهات الدموية المؤسفة التي سقط ضحيتها عدد من القتلى والجرحى مؤخراً.. تأتي في الوقت المناسب بالنظر إلى تداعيات تلك الأحداث المؤسفة وبالنظر – أيضاً – إلى أهمية التواجد الرئاسي قبيل بدء موعد الاستحقاق الوطني المتمثل في الحوار الشامل يوم ال18 مارس المقبل. ومن المؤكد بأن هذه الزيارة الرئاسية وفي هذا الوقت تحديداً – رغم أنها مسألة روتينية – إنما تهدف الإشراف الرئاسي المباشر على متابعة الأداء التنفيذي والوضع الأمني فضلاً عن سرعة معالجة قضايا المسرحين والأراضي ..وتعني أيضاً المضي قدماً في جهود حشد الاصطفاف الوطني في اتجاه إنجاز التسوية السياسية ومعالجة كافة القضايا والإشكالات القائمة أمام قيام الدولة اليمنية الحديثة ، فضلاً عن ما يمثله هذا التواجد الرئاسي من إعادة الاطمئنان إلى تلك القلوب الوجلة من المخاطر التي تتهدد الوحدة الوطنية في سياق هذه التجاذبات وغيرها والتي باتت – للأسف الشديد – تستخدم أساليب العنف بدلاً عن لغة الحوار. وثمة سمة إضافية تجسدها هذه الزيارة الميدانية تتعلق أساساً بتنشيط دورة الأداء التنفيذي في أجهزة السلطة المحلية والتنفيذية للقيام بكامل مهامها ومسؤولياتها تجاه المواطنين ، بما في ذلك استئناف دورة الإنتاج في مختلف مناشط الحياة ، خاصة بعد أن أصابها شلل تام جراء هذا الانفلات الشامل الذي يتطلب وقفة جادة وحاسمة لإيقافه والبدء – فوراً – في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة هيبة النظام والقانون وإزالة كافة المظاهر المسلحة التي باتت تدعو – حقاً – إلى الخوف والقلق . ولا داعي – هنا – إلى تكرار التأكيد على موقع عدن الاستراتيجي ، سواءً بالنسبة لليمن أو للمنطقة ، حيث إن هذا الموقع يغري ببروز دوافع للسيطرةِ عليها وإثارة الاضطرابات فيها تحت دعاوى ومسميات عديدة ، ولعلنا لا نتغافل عن مرامي تلك القوى الإقليمية التي تدفع باتجاه إثارة هذه الإشكالات من خلال تزويد أطراف بعينها بالأسلحة والأموال لتفجير مثل هذه الاحتقانات وكذلك استخدام خطاب إعلامي يتهدد اللُحمة الوطنية، بل ويكاد يؤثر سلباً على أجواء الحوار الوطني المرتقب. اليوم وقد حانت لحظة هذه الاستحقاقات ، يتطلب الأمر من اليمنيين أن يستحضروا الحكمة في أروع تجلياتها وبأن يغلبوا مصلحة الوطن على ما عداها من مصالح حزبية وأنانية ضيقة ، فضلاً عن العمل الجاد والمخلص باتجاه تهدئة أجواء هذا التوتر والمشاركة في مفاعيل معترك الحوار الحضاري باعتباره المخرج الآمن لترسيخ الاستقرار والتنمية وباعتبار أن الاستمرار في هذا النزوع المسلح إنما يدمر تلك القيم الحضارية وينسف عُرى تلاحم ووحدة المجتمع. وعسى أن يؤتي هذا التواجد الرئاسي ثماره من حيث أهمية التقاف الأطراف المعنية لدلالاتهِ في هذا الظرف الاستثنائي وبروح جديدة متطلعة إلى توطيد استقرار الوطن وتجنبيه مخاطر الانزلاق إلى متاهات الاحتراب والاقتتال .. والعمل مجدداً – بين كافة الأطراف والقوى – على تعزيز القواسم المشتركة والتي يأتي في طليعتها الحرص على أن اليمن أمانة في أعناقنا ، تقع مسؤولية صيانة أمنه واستقراره وتنميته على مختلف الأطراف والقوى السياسية دون استثناء. وإزاء مثل هذه الالتزامات الأخلاقية والوطنية يتوجب على الجميع أن يتلقفوا دلالات ومعاني هذه الرسالة الرئاسية بوعي وطني عال والعمل – منذ الآن – على التقاط الفرصة الأخيرة للولوج إلى مشارف المستقبل أو الضياع في متاهات التشظي .. وبحيث لا يعود أي معنى لأية قضية على جدول هذه الاستحقاقات – مهما كانت محقة – حتى بما في ذلك القضية الجنوبية.. وعندها ما نفع أن تربح نفسك وتخسر قضيتك ووطنك !!. رابط المقال على الفيس بوك