الأورغواي بلد صغير في أمريكا الجنوبية, إذ تبلغ مساحتها 176 ألف كيلومترمربع وعدد سكانها لا يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة, ولكن شهرتها الكروية جعلت منها اسماً ذائع الصيت, خصوصاً أن تاريخها حافل بالانجازات حيث حصدت بطولتين لكأس العالم وذهبيتين أولمبيتين لكرة القدم . ومؤخراً عاد اسم الأورجواي ليتردد بقوة وعلى نطاق واسع ليس بسبب نجومها الحاليين الذين أبدعوا في كأس العالم الأخيرة بجنوب أفريقيا أمثال دييجو فورلان ولويس سواريز , وإنما من خلال الرئيس الحالي لهذا البلد خوسيه موخيكا الذي بات يطلق عليه رئيس الفقراء . فالرئيس خوسيه موخيكا وصل إلى السلطة في مارس 2010 , ومؤخراً أدهشتنا التقارير الإعلامية التي تناولت جوانب غير مألوفة بالنسبة لرؤساء الزمن الحالي , فهو يتبرع ب 90 بالمائة من راتبه للأعمال الخيرية ومساعدة الفقراء , أي أنه يكتفي فقط ب 1250 دولاراً أمريكياً من أصل راتبه الشهري البالغ إثني عشر ألفاً و250 دولاراً. وهو يقول وفقاً لما نشر على لسانه «أهم أمر في القيادة المثالية هو أن تبادر بالقيام بالفعل حتى يسهل على الآخرين تطبيقه» متمنياً في الوقت ذاته انقضاء فترة حكمه حتى يعود للعيش بسلام في مزرعته برفقة زوجته.. فمن الذي سيرضى عنه الله , هذا الرئيس المسيحي الزاهد أم أولئك الحكام والأثرياء العرب المسلمون الذين ينفق البعض منهم مليارات الدولارات سنوياً في سبيل جلب لاعبين ومدربين محترفين لتدعيم صفوف أندية أوروبية اشتروها ويغدقون عليها بسخاء إن لم يكن ب «سَفَه» دون أن يلتفتوا إلى من يموتون جوعاً في كثير من بلدان العالم الإسلامي. أغلى ما يمتلكه الرئيس الاورغوياني خوسيه موخيكا هو سيارته الفولكس واجن «العتيقة» التي لا يتجاوز ثمنها 1945 دولاراً بحسب ما أشارت تلك التقارير . ويشير مؤشر منظمة الشفافية العالمية أن معدل الفساد في الأوروجواي انخفض بشكل كبير خلال ولاية موخيكا، إذ يحتل هذا البلد الواقع في أميركا الجنوبية المرتبة الثانية في قائمة الدول الأقل فساداً في أميركا اللاتينية. كم تمنيت أن يكون هذا الرئيس مسلماً لأن من المؤكد أن أغلبية مواطنيه سيفعلون ما فعل هو, ليس من باب المَثَل العربي القائل «الناس على دين ملوكهم» ولكن لأن ما يفعله الرئيس موخيكا كفيل بأن يجعلهم يؤمنون عن عقيدة وليس انقياداً قسرياً. وفي المقابل كم خشيت لو ذهب دُعاة مسلمون إلى العاصمة «مونتفيديو» وغيرها من المدن الأورغويانية أن يتحول الأمر إلى سباق محموم بين المذاهب الإسلامية لإستقطاب أهالي ذلك البلد الأمريكي اللاتيني في إطار تنافس الأقطاب السياسية المؤثرة داخل العالم الإسلامي المتخذ غطاء المذاهب الدينية. ويبقى السؤال الأهم: كيف سيكون الحال عندما تنتهي ولاية الرئيس خوسيه موخيكا , فالرجل لم يترك فرصة لمعارضيه حتى يصَّعدوا الوضع , ولم يتح للإعلام في بلاده أن يقتات على الإثارة ونشر فساد الرئيس , كما أنه سد الذرائع أمام أي ربيع أمريكي لاتيني قد يجتاح بلاده , مع العلم أن الأورغواي دولة ديمقراطية دستورية يؤدي فيها الرئيس مهام رئيس الدولة ورئيس الحكومة ,أي أن السلطات كلها بيده وبإمكانه أن يتحول إلى دكتاتور وصاحب ثراء فاحش. لكن ما يتضح أن الرجل , يريد أن يحكم فيعدل وأن يعود الى مزرعته وينام تحت أشجارها آمناً مطمئناً , وعلى عكس كل زعماء منطقتنا وعالمنا الثالث، فإن شعبه سيصنع بنفسه تمثالاً لخوسيه موخيكا يوم أن يغادر السلطة.. ما أعظم من يحاسب نفسه بنفسه ويدرك أنه لو كان صنع لنفسه تمثالاً, لقذفه الملايين بالأحذية يوم أن يرحل أو يُخلع أو يتعرض لانقلاب أو تدير له أمريكا ظهرها . رابط المقال على الفيس بوك