قبل أيام، صدرت قرارات هيكلة وزارة الداخلية، وأجهزتها الأمنية، لكن لا شيء تغير - حتى الآن- يتعدى المسمى، وبعض تكوينات وإدارات لا زالت في مرحلة التخلّق، إذ أصبح لدينا مفتش عام جديد، وشرطة سير، عوضاً عن شرطة المرور، وشرطة الدوريات وأمن الطرق، نيابة عن شرطة النجدة.. وخلافاً لتعقيد المشهد، في توصيف وتسمية القيادات العسكرية، بعد صدور قرارات هيكلة الجيش، سايرت القيادات الأمنية شكلها الجديد، وعرّفت الأخبار الرسمية، باكراً، منذ اليوم التالي لصدور القرار، اللواء فضل القوسي، كقائد لقوات الأمن الخاصة، بدلاً عن الأمن المركزي، ولا مشكلة تعيق تسمية العميد أبوبكر العمودي كمدير لشرطة السير في أول فعالية تستحق ظهوراً بخبر رسمي، وبالتزامن مع ذلك يستمر غياب الدور الحيوي والجوهري، لمنتسبي جهازين مؤثرين في تنظيم حياة الناس وحفظ أمنهم، وحياتهم. أُلزم وزير الداخلية، وفقاً للقرار، باستكمال إعداد المهام والاختصاصات التفصيلية لهذا الهيكل ضمن اللائحة التنظيمية للوزارة، وذلك ضماناً لتحقيق الأهداف التي نص عليها قرار الهيكلة، لإنهاء التداخل، والعشوائية، في أداء أجهزة الأمن، وتعزيز الشفافية، والرقابة والتقييم، وتحقيق الوحدة الوطنية، والابتعاد عن المحاباة والمركزية، وضمان وحدة القيادة. *** يقضي آلاف اليمنيين سنوياً، في حوادث الطرقات، وأضعافهم يصابون بعاهات مستدامة جراء الإصابات والكسور، وغيرهم تتعطل كثير من أعمالهم بفعل زحمة الطرقات والفوضى العارمة في حركة السير، دون أن يكون هناك أدنى اهتمام بترقية أداء شرطة المرور وتعزيز كفاءتها، ورسم خطط عملية تخفض، على الأقل، الموت الجماعي لليمنيين على قارعة الطرق، لكأنه وحده القضاء والقدر المسؤول عن إزهاق تلك الأرواح. هذا مثال واحد فقط على غياب دور شرطة أساسية وحيوية في حياة الناس، كشرطة السير، أو المرور سابقاً، ومن شأن وجودها بشكل معقول أن تحفظ آلاف الأرواح من الموت، ومعها آلاف الأسر من التشرد والضياع، بعد أن تقضي بقية حياتها دون عائل، يكفل لها لقمة العيش. هزالة أداء أجهزة المرور، ينكشف في عمق المركز، صنعاء، حيث أصبحت الفوضى هي العنوان الأبرز لحركة السيارات والمركبات والدراجات النارية، التي تهدر الوقت، الذي لا يحسب له حساب في هذا الجانب، بالنسبة لقلة يعتبر الوقت بالنسبة لهم، تعطل مهام ومصالح، وأقساطاً.. لا بأس فإزهاق الأرواح هنا أيضاً ليس له حساب، ولا لجان تحقيق، ولا عقوبات، بأكثر من جبر الضرر بعرف الثلثين والثلث. وكمثال على غياب دور أجهزة المرور، والسلطات المعنية معها، أعيد تقطيع جولة عصِر قبل أسبوعين تقريباً، لتخفيف الزحام هناك.. وسبب الزحام، بدرجة رئيسية، هو قطيع من الباصات، وسيارات الأجرة المنفلتة التي تتنافس على الركاب، بحجز موقع مناسب وسط الشارع، بما يحول من سلاسة الحركة، ولا بأس أن يقف أحدهم، أو سيارة أخرى خاصة في وسط الشارع، وتعطل حركة السير، وتشغل إشارة الوقوف كدلالة على “الذوق”.. وعوضاً عن تنظيم الحركة، ومواقف باصات الأجرة، على طول شارع الزبيري، لجأت أمانة العاصمة وشرطة المرور والأشغال، إلى تقطيع الجولة، لتكون النتيجة زحاماً إضافياً مضاعفاً في التقاطع، حيث لازالت فوضى الوقوف العشوائي علي حالها، ورجال المرور، يقفون موقف المتفرج غالباً من هكذا عبث وفوضى.. بيد أن بعض رجال المرور، يبدعون في مهمة ابتزاز السائقين بحملات الخميس بحثاً عن أوراق الملكية ورخصة القيادة، لا بل سعياً وراء الابتزاز للحظوة ببعض الجبايات غير القانونية.. **** لا تختلف نقاط التفتيش الأمنية في العاصمة، وأقسام الشرطة كثيراً في “همجية” أدائها عن المرور، إذ يكون اللجوء لقسم شرطة لتقديم بلاغ، أو الشكوى من اعتداء، باباً آخر للمعاناة والابتزاز باسم الدولة.. وللأسف تحول بعض النماذج الإيجابية في تلك الأماكن عن التعريف بالدور الحقيقي لسلطات الأمن المختلفة، مقابل النماذج السيئة.. يتعرض المواطنون للتعسف، وكرامتهم للامتهان، وحياتهم للخطر أحياناً، والقانون للانتهاك في عمق مباني أجهزة الأمن، حيث الجميع غالباً، صاحب الحق وغريمه، في بورصة الوساطة والنقد المادي، الذي يحدد طبيعة التعامل مع الطرفين. كذلك الحال في المرافق الأمنية الخدمية الأخرى، كالأحوال المدنية والجوازات، ومختلف الأجهزة الأخرى.. ومالم تنجح خطة هيكلة أجهزة الأمن في تعزيز هيبة الدولة وحفظ مصالح المواطنين، وفرض سلطة القانون، واحترام صلاحيات القضاء، والحد من التداخل في أداء مختلف الأجهزة، فلن تكون القرارات أكثر من ديكور يعيد إخراج الانفلات والفوضى، بمسميات أخرى.. قرار هيكلة الداخلية، لم يتجاوز خبر إعلانه حتى اللحظة، وللمعنيين أخذ وقتهم في استكمال تنفيذ التزاماته، بما يرتقي بأجهزة الأمن وتشكيلاتها المختلفة، وإن لم تتوفر الإرادة السياسية، فلن يكون أكثر من تشكيلات بمسميات فضفاضة حديثة، وربما بزات أنيقة، وسترث كل سلبيات وإخفاقات وفوضى الماضي، وتستمر في أداء أكثر تخلفاً وهشاشة، وهنا يكمن جوهر التغيير. أجهزة الأمن، هي واجهة الدولة وعنوان هيبتها، وإذا ما فشلت خطة الهيكلة في إحداث تغيير حقيقي في أداء مختلف أجهزة الداخلية، سواء فيما بينها أو على صعيد علاقتها بالمواطنين، فلن تكون هناك أي جدوى لتغيير المسميات، وسيضيع اليمنيون أولى فرصهم التاريخية النادرة في معرفة كيان يجمعهم ويساوي بينهم ويحفظ مصالحهم، يسمى الدولة. رابط المقال على الفيس بوك