مهما اتفقت الآراء واختلفت على تقييم النجاحات والإخفاقات لدولة 11 فبراير من خلال الكيفية التي تمارس بها العملية التغيرية لبناء الدولة المدنية الحديثة من قبل الكيانات والنخب السياسية التي تعبر في سلوكها تجاه الجماهير والقضايا الوطنية فإن طبيعة القيم السياسية التي تحكم وتحدد نمط السلوك والتوجه والفكر السياسي والثقافي الآني يبرز في منهجها النفعي الذي سيقوم بجوهره على الذات المجردة عن تحمل أي قضية أو مسئولية وطنية يمكن من خلالها دعم وتحفيز جهود الدولة والمجتمع لإنجاح عملية التغيير الايجابي المنشود من قبل الجماهير اليمنية التواقة للأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية. وقد افرز الواقع السياسي الأدائي أن بعض الأحزاب السياسية اليمنية أساءت فهمها لعملية التغيير الذي ننشده وضحى من أجله الشباب حيث جرى استخدامها وتحريفها لتلك المطالب بهدف الوصول للسلطة ليس إلاَّ, إذ هناك قيمة وطنية وأخلاقية في مواقف وبرامج وتوجهات هذه الأحزاب وبخاصة التقليدية منها يمكن اعتبارها رؤى حديثة تواكب التوجهات العامة للشعب وتراعي مستقبله ووحدته. المشكلة تكمن في وجود البنية المناسبة لنمو بعض الكيانات والقوى التخريبية التي استفادت من غياب المشروع الوطني وهيمنة قوى متخلفة على الواقع السياسي الاجتماعي وهو ما يُمكن تلك الكيانات والقوى من الفاعلية, ما لم تعزز الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنخب الاجتماعية الثقة والتفاهم فيما بينها وتتخلص من إلصاق التهم وخلط الأوراق التي تخلق التوتر والاختلاف وإذكاء الصراعات المناطقية والطائفية التي تنعكس بمجملها سلباً على أمن واستقرار الوطن ووحدته. إن المرحلة السابقة وتحديداً قبل قيام الثورة الشبابية التغيرية لم تزل آثارها السلبية ومواقفها التحريضية تمثل تحديات كبيرة أمام القوى المدنية الحديثة, حيث تذهب تلك القوى المسنودة بغايات شيطانية وأجندات فوضوية إلى تغييب الثوابت الوطنية وتفتيت المشروع الوطني المتمثل في بناء الدولة المدنية الحديثة, بعد أن استغلت هذه القوى الوضع اليمني الراهن فعملت على تجنيد تراكمات الماضي التي صنعتها للاستفادة منها في مثل هذه الظروف لنجدها تكالب الأعداء على كل ما من شأنه أن يدير عجلة التغيير المنشود من خلال تطبيقها لقاعدة “ ضرب الحجر بأختها” الذي سيفضي بلا شك إلى تدمير الحجرين في وقت واحد, وتكون هي المستفيد الوحيد في نهاية الأمر, في إدخال الوطن في دائرة صراعات وأزمات تجاوبت معها بعض قوى ذات مصالح خاصة بها أو مطالب لم تستطع تحقيقها في عقود من الزمن, فيما اليوم وجدت لها الأرضية الخصبة ونجدها قد تحولت إلى مطالب تجاوز الحلول وهذا آمر طبيعي بعد أن أدار النظام السابق لها الظهر بل زاد من أدوات اشتعالها.