الكل قابض على صدره, وربما يتوجس أن تنتهي حفلة الحوار الوطني, وتكون حفلة عشاء أخيرة, فيصبح بعدها المتحاورن يتباكون على ضياع وطن, أمِلَ منهم أن يكونوا فاتحة خير لمستقبله الجديد والمنشود.. هي المرة الأولى التي يلتقي فيها مثل هذا الكم من اليمنيين لمناقشة قضايا تهمُّ الجميع بلا استثناء, قضايا ترتبط بمصير الأجيال القادمة, التي نرجو أن لا يعايشونها ولا يعايشوا مثلها, أو يفكروا مجرد التفكير بصنع ماركات شبيهة بها, الوطن في غنى كبير عنها.. قضايا كثر تنتظر الحل وأولها قضية الإنسان المغيب تماماً, الإنسان كطاقة خلاقة, إذا وجد من يهتم به ويعمل على تنمية مداركه وأفقه, فهو ذلك الإنسان الذي خرج لاستعادة أنفاسه, والبحث عن حريته وكرامته, وقبل ذلك استرداد إنسانيته التي صودرت منه منذ زمن, لصالح من استأسدوا بل وتنمروا وسرقوا حقوقه وثرواته زرافات ووحدانا.. فهو ذلك الإنسان, المواطن البسيط الذي وجد نفسه يمنياً, كرمه الله وأهانه السياسيون والمتسلطون والمستبدون, خلقه الله حراً فأراده البعض عبداً مهاناً لا حول له ولا قوة, يسبح بحمد جبروتهم وسطوتهم وعنفهم, فهو تابع لهم لا يحق له العيش والتمتع بحياته إلا وفق ما يرون ويشتهون.. وجد نفسه يعيش التناقض والتضاد والاختلاف في أرض ينبغي لها أن تكون سعيدة؛ لما حباها الله من موقع مميز وتاريخ عريض وثروات لا يعرف كنهها ولا مقدارها حتى اللحظة إلا من أوجدها.. فهل سنفعلها يا ترى.. ويخرج الإنسان منتصراً أخيراً, وتعود له كرامته وحقوقه, تعود بهجته وفرحته, وتكتمل ثورته, التي حلم بها كثيراً وأرادها واقعاً معيشاً, هل سيعانق أخيراً المواطنة المتساوية والعدالة, التي افتقدها, هل سيجد من ينصفه بأن يقف الجميع أمام القضاء مثلاً, لا فرق بين مواطن من الشمال أو الجنوب أو الوسط هل سيجد ابن تهامة الإنصاف ويستطيع مقاضاة الشيخ والقبيلي, بل والمتنفذ أياً كانت صفته أو كان شكله؟ هل سيحس أبناء صعدة بأنهم أبناء وطن واحد, يتساوون في كل شيء بالحقوق والواجبات ينظر إليهم بمنظار واحد وبعين واحدة, هي عين العدالة والعدالة فقط, فيستطيع الجميع التعبير بما يشعرون ويحسون, ومن ثم يوصلون رسائلهم ويعبرون عن متاعبهم وآلامهم وطموحاتهم وأحلامهم.. هل سيزول الخوف من أوساط كثير من الناس، سينتهي على غير رجعة بأن هناك تفكيراً لقيام دولة مدنية, الكل فيها سواء لا فرق فيها لأحد إلا بالمواطنة الصالحة وتقوى حقوق الناس وعدم المساس بها بأي شكل من الأشكال, هل بإمكانهم الشعور والإحساس بأن واقعهم سيتغير ويصبح أكثر أمناً واطمئناناً بأن لا يخاف أحد على أمواله أو ممتلكاته, وبإمكانه ألا يخاف على أبنائه وفلذات كبده من الاختطاف أو القتل بلا هوادة أو رحمة كما يحصل كثيراً دون خوف أو وجل.. هل سنصحو يوماً ونجد صنعاء عاصمة كعواصم العالم؛ خالية من السلاح والمعسكرات ومخازن البارود والذخائر والموت؟ وكذلك كل المدن الأخرى الرئيسة والثانوية.. هل سيعود حق البعض المنهوب وسيعوض من ظلموا على سنوات الشقاء والضياع والتيه في عمائم الفيد ودهاليز القبح المركب؟ إذن كل القضايا المطروحة هي قضايا الإنسان العادي, المواطن البسيط التائه كثيراً إلى اللحظة, فقضية الجنوب هي قضية الإنسان أولاً وأخيراً, ثم تأتي الجغرافيا والسياسة والتاريخ, وقضية صعدة ومثلها تهامة الإنسان فيها هي القضية الكبرى, ومن ثم مأرب والجوف وعمران وريمة وهلم جرا, المشكلة هي التغييب والجهل والإفقار والاستعباد, الذي طال ثرواتنا ومواردنا الحقيقية, وهي الطاقة البشرية دهراً من الزمن, عقوداً من التهميش والضياع والإقصاء التي مورست ضد الإنسان, فكانت الفرصة مواتية لأن نفعلها, ويفعلها المتحاورن والمتحلقون على موائد مستديرة.. اليوم الأنظار تتجه إليهم, تتجه إلى صنعاء والمدن الأخرى, التي ستكتمل وستغدو أكثر بهاء لاستضافتها تفاصيل الحوار ومجرياته المتلاحقة, وقد عقدت الآمال فقد يكون أخيراً الانتصار للإنسان البسيط, ومحاولة الرقي به, والنهوض بعد ركود وخمول ويأس تتطاول كثيراً, فهل سنفعلها؟ نرجو ذلك. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك