المقدمات تصنع النتائج.. تلك هي إحدى مقولات المناطقة الاغريق الذين بحثوا في جوهرية الحقائق، ولاحظوا استتباعاتها على الأرض. وتاريخ البشرية المعروف محكوم بهذه الحقيقة، ولم يصل الناضجون إلى عقد اجتماعي للأمة إلا بناءً على هذه المقدمات التي جعلت من أوروبا القرون الوسطى بيئة للمرض والجوع والموت، عندما كان الإقطاعي يستمد (نُبله الواهم) من دعم الكنيسة، واستغلال الناس أبشع استغلال، حتى إذا جاءت المرحلة البرجوازية التي تميزت بتكديس الثروة.. لم تنفع تلك الثروة ملايين الفقراء من العمال الميامين، وحشداً هائلاً من المهمشين الذي كانون يعيشون أدنى من مستوى حياة البشر. تجلَّت مصداقية المقولات اليسارية الفلسفية بنصوع بالغ في تلك المرحلة، فقد تبيَّن بالدليل القاطع المانع أن الصراع الطبقي يُجير الدولة ومؤسساتها لصالح الطبقة المُهيمنة اقتصادياً، كما تجلَّى بوضح أن مقولة الوعي الاجتماعي المقرون بالوجود الاجتماعي سمة حاسمة في تواريخ البشرية. لكن أوروبا ما بعد المرحلتين الإقطاعية والبرجوازية صَحَتْ وثارت ضد جلاديها، لينفتح طريق جديد تتمثَّل نتائجه في ما نراه اليوم من تميُّز في السِّلم الاجتماعي الأوروبي ممَّا لا ريب فيه. هذا الاستدعاء الوامض لحكمة التاريخ يعيدنا إلى تلك المُقدمات التي أنعشت ثقافة استباحة الضعيف، ومشهديتها التراجيدية المقرونة بسياستي التقويض والحصار المزدوج التي توخَّت ضرب عصفورين بحجر واحد، مما رأيناه ونراه في أكثر من بلد عربي، نموذجه البارز الحالة العراقية. أردت بهذا قراءة واقع الحال في المنطقة العربية. ولعلّ الحالة السورية الراهنة هي الأظهر والأكثر صعقاً، لكونها مغموسة بالدماء والدموع، ولكون النظام السوري الذي كثيراً ما استطاب إدارة الحروب الإقليمية بالوكالة يشرب من ذات الكأس ليقع في شر أعماله، ويجد نفسه أمام حرب الحروب بالوكالة. ما جرى بالأمس وما يجري اليوم يتطلب منا مراجعة الماضي القريب، لنعرف الأسباب والمُقدمات الحقيقية لما حدث، ولنتابع النتائج بعين باصرة، وعقل مُتَّقد، وصولاً إلى الإمساك بتحديات الراهن المُترع بالبلايا والنوائب. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك