ما كان للصوماليين أن يغادروا مرابعهم الخضراء ومنازلهم المُترعة بالمياه ومصالحهم المتجدّدة؛ لو وضعت الحرب الأهلية أوزارها، وما كان لمافيات القرصنة الإقليمية والدولية والتجارة بالبشر أن تستمتع بحالة اللا دولة لو أن المُختلّفين في الداخل الصومالي أدركوا حكمة التنازلات المتبادلة وشجاعة إسدال الستار عن ذكريات الحرب الأهلية واستتباعاتها في النفوس، وما كان لبلد متعدّد المناخات، وافر الثروات، موحَّد في نسيجه الاجتماعي والعرقي والديني أن يقع في حفرة التنافي العدمي لو أدرك العقلاء معنى الدولة وقيمتها الكُبرى في كافة الأزمنة. نعود الآن إلى الحدث الإرهابي في كينيا، وسأقول بكل ثقة: إن كل المُلتبسين بالحالة الصومالية منخرطون موضوعياً في هذا الفعل غير المقبول شرعاً ومنطقاً، فالتطرُّف لا ينشأ من مجرد اصطفاف مجموعة من الشاب الباحثين عن هُوية عابرة للقارات، بل من كافة المنابع التي كانت سبباً لهذا التطرُّف، ولعل أكثر بحيرات المياه الآسنة التي منها تتدفّق منابع التطرُّف هي بحيرة الفقر، والإحباط، وغياب الحلم في مستقبل واضح المعالم، تلك البحيرة صنعتها المظالم وفقدان الحيلة والفتيلة؛ ومن تفرعاتها الأخطبوطية نرى الفقر والمرض والحيرة والرثاثة الحياتية والسلوكية والمخدرات والأوهام السلالية والعرقية والدينية. ومن كل هذه التفرعات تنشأ بيئات التطرُّف القائمة في الصومال والعراق واليمن ومصر والجزائر، بل في جُل العالم العربي الموبوء بالعجز. لكن هذا التطرُّف النابع من مقدّمات موضوعية، يتحوَّل تباعاً إلى بورصة إدارة شيطانية متعدّدة الحِراب، فالسبب الأول يتحوّل إلى نتيجة كما يقول المناطقة؛ وما كان مُستنكراً مُستنكفاً بالأمس القريب، يتحوّل إلى حقيقة فاجعة، فيا للهول ويا للأسف..!!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك