العملية الإرهابية الأخيرة في العاصمة الكينية نيروبي لفتت انتباه العالم للصومال مجدداً، واستعاد المراقبون هذا الملف الشائك بعد أن مادت بهم الأقدام في زمني الربيع العربي الطارئ، والحرب السورية المؤلمة، وما تبعهما من تداعيات إقليمية ودولية. الكثيرون ممن تابعوا تجربة التحول في الصومال ظلوا على أمل بأن التطرف سينحسر، وأن إجماع فرقاء الساحة الصومالية على صيغة فدرالية لدولة عصرية، هي المُقدمة لاختصار الطريق نحو بناء الدولة، بعد أن تبلورت ملامح الشرعية باتفاقات داخلية مدعومة بتوافقات إقليمية ودولية واضحة البيان. وكان من طبائع الاشياء أن لا تنتهي الأزمة الصومالية بين عشية وضحاها، فأُمراء الحرب الخارجون من رحم المتاهة والموت المجاني ليس بوسعهم التحوُّل بين عشية وضحاها، بل إنهم سرعان ما تمنطقوا نياشين الدولة الجديدة، ولبسوا أرديتها، دونما تخلٍ عن “أمجاد” متاهاتهم القبائلية، وخبراتهم الوافرة في التخريب والتدمير، وسلوكياتهم المافيوية التي مازالت تعيد إنتاج نفسها بكفاءة واضحة. كان من الطبيعي والأمر كذلك أن تحدث انشقاقات في جسم الكيان السياسي الذي تفرد بالحاكمية الافتراضية، ورأينا هذا الانشقاق الطارئ أثناء الخلاف الصاعق بين الرئيس السابق شيخ شريف أحمد، والمُرشد غير المُعلن للمحاكم الإسلامية شيخ طاهر أويس؛ ولقد عكس ذلك الخلاف معنى الانشقاق الرأسي الحادث في جسم المحاكم الإسلامية، واستتباعات ذلك الانشقاق على المكون الاجتماعي الحاسم في ذلك الجسم.. وإذا ما أضفى لكل ذلك كون مجاميع الشباب الجهاديين “الطُهرانيين” على نمط طالبان، استشعروا المسافة الفاصلة بين الخطاب الديني المثالي العابر للقارات والقبائل والطوائف من جهة، والسلوك العملي البراغماتي النفعي المُجسِّد للواقعية السياسية الأرضية من جهة أُخرى، فإننا بهذا نستوعب طبيعة الشرخ العميق الذي حدث بين عرَّابي الدين السياسي من جهة، ومريديهم الأفتياء من الشباب المندفع خارج الحقائق الموضوعية من جهة أُخرى. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك