لم تعد المسألة الصومالية شأناً داخلياً يجمع فرقاء الساحة الصومالية في المربع الكئيب للتقاتل العدمي المديد، بل أصبح شأناً إقليمياً بامتياز، وخاصة بعد التدخل العسكري الإثيوبي وما ترافق معه من حضور اريتري لوجستي مواز تمثل في دعم مُقاتلي المحاكم الاسلامية أولاً، ثم احتضانهم في أسمرة، وما تبع ذلك من سلسلة المواقف الاريترية المُعلنة والرافضة للتدخل العسكري الإثيوبي، وصولاً إلى الإشارة بالبنان للولايات المتحدة بوصفها العرّاب الأكبر للتدخل الاثيوبي. خلال الأيام القليلة الماضية حاولت جيبوتي إعادة تدوير وساطتها المتكررة الباحثة عن حل للمشكلة الصومالية، فكانت النتيجة انشقاق المحاكم إلى تيارين أحدهما بزعامة الحاج أويس والثاني بزعامة شريف احمد شريف ، ومن المعلوم تاريخياً أن الحاج اويس هو الذي كان وراء فكرة إنشاء المحاكم، وهو القائد الأعلى الفعلي لها، بل المرجعية الدينية الأكثر سطوعاً فيها، فيما مثل شريف أحمد شريف التيار الوسطي الشبابي الذي يميل للحل السلمي ما أمكن ذلك، ويرفض تيار الحاج أويس التفاوض مع مرجعية شرعية نيروبي برئاسة عبدالله يوسف إلا بعد انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال . ومن المستجدات التي تثير قلقاً واسعاً على مستوى أشمل الاحتكاك العسكري الجيبوتي الأرتيري في المنطقة الحدودية والذي تصادف مع نهاية مؤتمر المصالحة، والانقسام الذي طال المحاكم الاسلامية. وإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة أن تموضع الورقة السياسية الصومالية بين أسمرة وأديس كان مُرضياً إلى حد ما للطرفين باعتبارهما اللاعبين الأساسيين إقليمياً، فإن دخول جيبوتي على الخط سيكون غير مرض لهما وربما لطرف منهما، وفي الغالب أسمرة غير الراضية عن الوساطة الجيبوتية الأخيرة ، لأنها ترى أن شرعية نيروبي سقطت بمجرد التدخل العسكري الإثيوبي . مما سبق يتضح أن المشكلة الصومالية تمددت إقليمياً، ولعل اليمن هي الدولة الإقليمية الوحيدة المُمسكة بخيط رفيع من العلاقات الودية مع مختلف الأطراف، ومُتباعدة “ إجرائياً “ عن التورط في الاستقطابات غير الحميدة التي تتشكل في الساحات الصومالية الاريترية الجيبوتية والكينية والإثيوبية أيضاً، مما سيؤهل اليمن لدور متميز في مستقبل الوساطات المستديمة لحرب أكثر استدامة ، خاصة وأن اليمن مؤهلة لأن تلعب دوراً محورياً في هذه المشكلة.