الاتفاق الأخير بين شرعية نيروبي الصومالية ممثلة بحكومة الرئيس عبدالله يوسف من جهة، والمحاكم الإسلامية من جهة أُخرى يحمل في طياته مضامين كثيرة، ويعبر عن المرحلة الجديدة التي دخلتها الأزمة الصومالية، فالمحاكم الإسلامية لم تعد موحدة، وشرعية نيروبي بدورها ليست موحدة، فقد افترقت المحاكم إلى طرفين، الأول بزعامة «حسن ظاهر أويس» الأكبر سناً والأكثر حنكة وتجربة في ميدان السياسة، والطرف الثاني «القابل بالتسوية» ممثلاً في «شريف شيخ أحمد»، والذي زار مؤخراً صنعاء في إشارة إلى مباركة الجانب اليمني للوساطة الجيبوتية، بمقابل تحفظ ضمني اريتري على تلك الوساطة، مما يدل على تذبذب مواقف دول الإقليم المجاور تجاه العقدة الصومالية. وقبل أن ندخل في تفاصيل الاحتمالات القادمة من الضرورة بمكان الإشارة إلى النقاط الثلاثة التي جاءت بها مصالحة جيبوتي الأخيرة، وأبعادها المشمولة بعديد الاحتمالات والاجتهادات، وعلى النحو التالي: وقف إطلاق النار: ومن منطوق الخيار يمكننا أن نستنتج أن مناصري شريف شيخ أحمد سيوقفون إطلاق النار، فيما يستمر أنصار « حسن ظاهر أويس » في مقارعة الوجود الأثيوبي وحكومة عبدالله يوسف، وهذا يعني ببساطة شديدة تعطيل النقطة الأُولى من الاتفاق والتي تُعتبر بمثابة المدخل لما يليها . انسحاب القوات الأثيوبية : ويستبق الرئيس عبدالله يوسف بتفسير موضوع الانسحاب الأثيوبي بضرورة وصول قوات دولية تحل محلها وتتمتع بذات الإمكانيات للسيطرة الأمنية على الموقف، مُحذراً من الفراغ الأمني المحتمل في حالة مغادرة القوات الأثيوبية دون غطاء دولي، ومثل هذا الشرط يصطدم أساساً بإمكانية قبول الدول المشاركة في نشر قواتها في تلك المنطقة الملتهبة والفاقدة لكل أسباب التأمين لوجود عسكري مستقر وفاعل، الأمر الذي يجعل من هذه الأمنية أمراً عسيراً، وعلينا أن نتخيل نموذج الوجود العسكري الدولي في « دارفور » السودانية لنتبين أن فكرة نشر قوات دولية ليست فكرة عملية أو قابلة للتطبيق الفعال، وهذا يسقط بندين أساسيين في الاتفاق، الأول يتعلق بالانسحاب الافتراضي للقوات الأثيوبية، والثاني يتعلق بنشر قوات دولية بديلة للقوات الأثيوبية . أمام هذه الحقائق يمكن للمراقب أن يتخيّل الآفاق المتاحة لخيار التسوية، ويمكن ملاحظة أن هذه الآفاق مسدودة عملياً؛ لأن فرقاء الساحة الصومالية استبدلوا الاستقطاب الثنائي «الحميد» بتعددية صراعية تذكرنا بأمجاد أمراء الحرب، فبالأمس القريب كانت سلطة شرعية نيروبي والمحاكم الإسلامية تمثلان أملاً في الخروج من المحنة ، لكننا اليوم أمام محاكم متشظية، وسلطة حائرة، ووجود أثيوبي قلق، وأوضاع إقليمية ودولية لاتضع في اعتبارها أولوية إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الصومال .