تُقدّم الحالة اللبنانية نموذجاً فاقعاً لفشل التوليفة الطائفية المراتبية الذي اجترحته اتفاقية الطائف التي تلت الحرب الأهلية اللبنانية، والتي جاءت عطفاً على توازن إقليمي - عربي اعتبر لبنان وأهله مرهونين لذلك التوازن، وتبعاً لذلك كان من الطبيعي أن تلغي هذه التركيبة معنى السيادة والمواطنة معاً، فالمراتبية الوظيفية التي تمتد من قمة الهرم المجتمعي حتى سفحه إنما تمنح الفرصة لتخطّي مفهوم المواطنة من جهة، كما تسمح بتسليم مقدّرات الشعب اللبناني إلى أمراء الطائف المتدثّرين بياقات العصر وخطاب الحداثة الفاقد معناه، ولعل الاستثناء الوحيد شكلاً يظهر في نموذج الوكيل الحصري لمشروع سياسي ديني مازال مصرّاً على التغريد خارج السرب الشكلاني لأمراء الطوائف؛ ولكنه لا يختلف عنهم من حيث الجوهر، أقصد حسن نصر الله المنخرط في ذات المتوالية الخائبة عبر العراب القديم نبيه بري؛ فهذا الأخير ليس في المحصلة سوى واجهة طائفية يتوازى فيها مع بقية أمراء الطوائف المساقين جبراً إلى توليفة الطائف المفارقة لمعنى الدولة العصرية المؤسسة على مجرد الهوية المقرونة بالمواطنة، لا تلك المجيرة على المراتبية الدينية الطائفية. هذه الحقائق والمقدّمات كان لابد لها أن تفرز مشروع صراع عدمي بين الأطراف الأكثر استيهاماً للدين السياسي، وما حدث مؤخراً في مدينة صور اللبنانية التي تمثّل نقطة تقاطع استثنائي للتصادمات غير الحميدة، تعبير مكثف عن هذه الحقيقة المرة. لن يتعافى لبنان، ولن يخرج من دائرة الحروب بالوكالة إلا بإسقاط الطائف واستتباعاتها المنافية لجوهر الدولة والمواطنة معاً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك