يعلم القاصي والداني أن توافقية الطائفاللبنانية جاءت إثر حرب أهلية استمرت 15 عاماً، وأنها جاءت لتُشرْعن الدولة على قاعدة التمثيل الطائفي المذهبي على كل المستويات، وأنها بالتطبيق والتجربة كرّست أُمراء حرب مخمليين يلبسون البدل البيضاء والكرافاتات الملونة، وأنها في نهاية المطاف أوصلت لبنان إلى حالة اللاسلم واللا حرب الماثلة، وحولت أُمراء الطوائف الدينية المذهبية إلى دويلات داخل دولة صغيرة لا تحتمل هذا القدر من التشظّي، فلبنان ذات الألف كيلومتر مربع نموذج فريد لتعددية الطوائف والأديان والمذاهب والأعراق القادمة من منابع سلالية وثقافية متنوعة حد الفرادة الرائعة التي انسكبت في قلب الثقافة العربية التاريخية، لكن تلك التعددية التاريخية الحميدة تم إجهاضها بعد اتفاقية الطائف التي شرعنت لتوافقية مخاتلة وخائنة لتاريخ لبنان وحضارته. إذا تمّ تعميم بروفة الحالة اللبنانية في المسألة اليمنية كما يُراهن البعض من خلال ممارسة سافرة تسبق التنظي، فإن اليمن ستشهد عهداً بشعاً في التداعي المراتبي القبائلي الخطير، وسيتحول إلى كانتونات تتوافق على تعطيل التطور، أو تتقاتل من أجل مصالح الدوائر السياسية الفاسدة. ومن هذه الزاوية غير المتفائلة أقرأ المشهد الراهن بقدر تداعيه الحر مع الحالة القائمة الآن. أمّا إذا شرعت الدولة في ترجمة مرئيات مبادرة حُسن النيّة الخليجية، استناداً إلى جوهرها الروحي التصالحي الذي لا يفارق نواميس الجغرافيا والتاريخ، ولا يلغي حكمة الأرض والسماء، فإن البلد ستشهد انفراجةً مؤكدة ونماءً غير مسبوق. لا يمكن استمرار الحال على ماهو عليه، لأن هذا الحال سيكرس منهجاً جديداً لم يألفه اليمانيون، بل لا ضررة له، قياساً بالتقاليد التاريخية والسياسية، وحتى المؤسساتية العصرية. [email protected]