الشنفرة يخون الزبيدي: من يطالبون بضم تعز ومأرب إلى الجنوب يخدمون أجندات مشبوهة    الشنفرة يخون الزبيدي: من يطالبون بضم تعز ومأرب إلى الجنوب يخدمون أجندات مشبوهة    تصفيات اوروبا لكأس العالم: هولندا تعزز صدارتها بفوزها على مالطا    التصفيات المؤهلة لكأس آسيا 2027: سوريا تكتسح ميانمار بخماسية    تقرير حقوقي: تصاعد مقلق للانتهاكات ضد الصحفيين في اليمن    منتخب اليمن يحيي أحلام التأهل لكأس آسيا 2027    علامَ يراهن "عيدروس الزبيدي"؟    حين تصمت المدافع في غزة.. تنكشف جرائم الجولاني في سوريا    وكيل محافظة تعز يفتتح مركزين للخدمات الزراعية وصيدلية بيطرية في جمعية مقبنة    قيادي "بحماس": الاتفاق بين الحركة والكيان المحتل تم عبر وسطاء وليس بلقاء مباشر    الحيّة يعلن رسمياً التوصل لاتفاق إنهاء العدوان على غزة    حريق في منزل فينيسيوس    السيد القائد: العدو الإسرائيلي أخفق في حسم المعركة في غزة    تاريخي: الفضة تسجل رقماً قياسياً ب 50 دولاراً للأونصة    انهيار مؤامرة الإخوان وحلف بن حبريش في حضرموت    تنفيذية انتقالي لحج تدعو أبناء المحافظة للمشاركة الفاعلة في ذكرى ثورة 14 أكتوبر    مصدر حكومي يعلن البدء في صرف المرتبات المتأخرة لموظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري    إب.. تصاعد جرائم الانتحار والعنف الأسري في ظل غياب الأمن    المؤتمر العلمي السادس يختتم اعماله في جامعة البيضاء ويخرج بتوصيات مهمة    مبادرة بناء 10 فصول دراسية بتكلفة 6 ملايين ريال في ذمار    السعودية… المفتاح والمغلاق    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على مناطق محدودة من المرتفعات    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يشارك في ندوة علمية بعنوان "سقطرى في مواجهة الغزاة"    محافظ حضرموت يدشن مشروع نهر الحياة بتمويل إماراتي    وزير الدفاع والنائب العام يطلعان على سير العمل في ميناء عدن    الشيخ يؤدي واجب العزاء بالفقيد كمال الجبني في الضالع    ضبط قارب يحمل طن مخدرات قبالة سواحل لحج    اليمن يتقدم على بروناي بهدفين في الشوط الأول ويهدر فرصاً لزيادة الغلة    اليمن يقترب من التأهل بعد فوزه على بروناي بثنائية نظيفة    اليمن.. حرب بلا منتصر وأزمة بلا نهاية    المنتخبات المتأهلة لكأس العالم 2026    الاعتداء على فعالية نسائية بالمكلا.. الانتقالي يتبنى نهجاً معادياً للسياسة    لابورتا: مباراة برشلونة في ميامي ستكون استثنائية    الفنان أحمد الحبيشي يدخل العناية المركزة في أحد مستشفيات صنعاء    اتحاد الأكاديميين العرب يمنح عضويته للدكتور ناجي الشدادي ويكلفه بإدارة فرع المركز العربي للتنمية الزراعية والبيئية باليمن    شركة المقبلي للطاقة المتجددة الراعي الذهبي للمعرض الثاني للطاقة الشمسية والري الحديث بصنعاء    فعالية خطابية في صنعاء بأربعينية الشهيد الدكتور رضوان الرباعي    الرئيس الزُبيدي يُعزّي في وفاة الشيخ كمال الجبني    إطلاق خارطة طريق علمية لمواجهة التحديات المناخية والبيئية في عدن    بن بريك: استئناف المشاورات مع صندوق النقد خطوة لإعادة الثقة بالمؤسسات الاقتصادية اليمنية    "دبور الجولان" يقتل جندي إسرائيلي    بعد 12 عاماً من الملاحقة القضائية.. تفاصيل جديدة في محاكمة فضل شاكر    مستجدات المحادثات حول خطة ترامب لإنهاء حرب غزة    صباح الخير يارفيق ماجد زايد    السفيرة البريطانية: سلطات صنعاء تؤجج الأزمة الإنسانية وتعرقل المساعدات    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    حين أضاعوا الجنوب وراحوا ينتظرونه محملًا بأحلامهم    اليهود في القرآن...!!    إِنَّا عَلَى العَهْدِ    مرض الفشل الكلوي (22)    محمد عبده الفنان السادس على مسرح البواردي    وادي التماثيل في جزيرة قشم.. بقايا ظواهر رسوبية وجدران طبيعية مذهلة    كاد تهرب المسؤول أن يكون كفرا    جريمة قتل جماعي قرب حقل مياه عدن.. دفن نفايات شديدة الخطورة في لحج    مأرب.. تكريم الفائزين بمسابقة شاعر المطارح    بدء توزيع الزكاة العينية للأسر الفقيرة في مديرية اللحية    في 2007 كان الجنوب يعاني من صراع القيادات.. اليوم أنتقل العلة إلى اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليالي الأنين في ذاكرة سجين

ذات مساء من مارس في العام 1982م ، ذهبت إلى مبنى فرع الأمن الوطني بتعز لتسليم نفسي طوعاً ، بعد اعتقال رفيقين لي في عضوية خلية تابعة لمنظمة المقاومين الثوريين ، في الطريق إلى غرف التحقيق كانت صرخات المعتقلين تثير في نفسي الرعب الممزوج بحيرة عن هذه البشاعة في أنواع مختلفة للتعذيب.
في تلك الفترة لم أكن معتاداً على السهر بعد العاشرة مساءً ، لكني أجبرت تلك الليلة على السهر حتى أذان الفجر ، كانت ليلة مرهقة لنفسي ومشاعرها المضطربة إزاء الوضع غير المعهود ، ومرهقة لجسدي بالسهر المفروض علي بقوة الإجابة المكتوبة على أسئلة المحقق ولعقلي المشحون بالأسئلة عن أفراد مستسلمين بغير مقاومة لأفراد يضربونهم بوحشية.
لا تزال صورة احد الضحايا حية في الذاكرة كما شاهدتها أول مرة ، كان أحد المعتقلين يصرخ بألم مسكون بالقهر ، واثنين من عتاولة التعذيب يضغطون باب الغرفة على جسده المسند إلى الجدار وهو مستسلم بانكسار غريب بين عينيه ظل يلازم وجهه طيلة رفقتنا بالمعتقل المغلق بإحكام عن ضوء الخارج ، ولأني سلمت نفسي فقد نجوت من التعذيب في أول ليالي الاعتقال.
رُميت في السجن أسبوعا كاملاً عُوملت فيه من السجناء بقسوة لامبرر لها والابتعاد عني كمصاب بالجرب ، بعد أول ليلة عدت فيها إلى المعتقل متكوماً على نفسي مخنوق الأنين ، اكتشفت أن رفاق السجن ظنوني مندساً للتجسس عليهم فابتعدوا عني ، ربما لهذا السبب تكمن الحسنة الوحيدة للتعذيب باعتبارها جواز السفر إلى صحبة رفاق المعتقل.
لم يكن ضابط التحقيق مضطرا إلى تعذيبي ، لأني سلمت نفسي طوعاً، وتطابق اعترافي بما قاله زميلي سابقاً ، حتى سنحت له الفرصة التي ينتظرها لممارسة وظيفته في التعذيب ، سألني لماذا لم أذكر له اسمي التنظيمي فقلت له لأنني لا أمتلك غير اسمي فقط، عندها مد يده إلى زاوية المكتب وأخذ منه جزءاً من كابل كهربائي وبدأ بجلدي حتى تعب من ذلك فاستراح قليلاً ليواصل الجلد بخيزران ، ثم انتقل إلى وسيلة أخرى كنا نسميها القاووق ، وفيها تُعلق مربوطاً على عصا بين مكتبين لساعات تكفي لفقد إحساسك بذراعيك وساقيك , وكان صراخ الضحايا يزيدني رعباً وحيرة.
لم يكن التعذيب مبرراً باعتباره وسيلة للحصول على المعلومات من المعتقلين ، فأنا، مثلاً ورفيقي ، عندما ذكرنا من نعرفهم من أعضاء الجبهة ، كنا لا نعرف سوى الأسماء التنظيمية ، وهذه المعلومة صدقها ضابط التحقيق فزودنا بالأسماء الحقيقية لكل هؤلاء، لكن رغبته في التعذيب كانت من صميم عمله الوظيفي ، لتحطيم روح التطلع السياسي في نفس ووعي المعتقل ، ففي كل حالات التحقيق والتعذيب التي شاهدتها ، كان المحقق يحرص على امتهان واحتقار الضحية ، وتحقير فكره السياسي وطموحه الوطني بشكل خاص.
ماهي الجريمة التي كافحها الأمن الوطني في تلك الفترة؟ إنها جريمة التحزب المحظور حينها بغير قانون وعدالة ، وكانت أدلة إثبات الاتهام هي الكتب التي يجدونها في حوزة المعتقل وتخص فكر الحزب الذي ينتمي إليه وأدبياته التنظيمية ، وهكذا كانت القراءة السياسية جريمة لا يعاقب عليها القانون وسلطة القضاء وإنما يتكفل الأمن الوطني بالتنكيل بأهلها ، تعذيباً وامتهاناً ، وبعد ذلك إقصاءً وحرماناً من الوظيفة العامة والحقوق ، بما فيها حق السفر للخارج من أجل التعليم أو العلاج.
اليوم ، تبدو تلك الفظاعات جزء من تاريخ أليم ن لكنها في ذاكرة التاريخ مرحلة لم تكن بشعة بجرائم البطش والاعتقال وفواحش القهر التعذيب فحسب بل بدافعها الاستراتيجي لتكريس الجهل السياسي ومصادرة حق الإنسان في المعرفة والنشاط ، وقد نجحت هذه المرحلة فعلاً في إفقار الوطن من كوادره المؤهلة بعلوم العصر وجديد الفكر الخاص بالمجال السياسي ، لقد كافح الأمن الوطني كل محاولة للمعرفة وكل تطلع للوعي ، فنكل بمن حاول الاطلاع، وأرهب الآخرين الذين استحبوا الجهل طمعاً في النجاة من جحيم القهر والتنكيل في أقبية الأمن الوطني ، وبهذا تسلط الجهل واستبد التخلف والفساد.
أتذكر هذا الرعب في مرحلة تعدنا بالعدالة الانتقالية ، لأقول إن المطلوب من العدالة الانتقالية إدانته وتجريمه هو السلوك الذي مارسته أجهزة أمن الوطن والدولة بغير سند قانوني، وبدون سلطان قضائي ، إذ كان ممكناً لسلطات تلك المرحلة مكافحة الحزبية بالقانون وسلطة القضاء ، لكن القانون والعدالة لا يسمحان بالتجهيل السياسي ولا يعاقبان على المعرفة والاطلاع ، لذلك نأى القمع بسلطاته عن القانون ، فأوصلنا بسياسة الجهل والخوف إلى الفساد الشامل والتأزم الذي كاد أن يفجر الوطن والدولة ، وها قد فتحنا ثغرة للنور بمؤتمر المعرفة والحوار، فلتكن العدالة الانتقالية وسيلتنا إلى تامين الغد من أنين ضحايا التجهيل الرسمي والتعذيب الأمني.
[email protected]
رابط المقال على الفيس بوك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.