انباء عن تعرض سفينة تجارية ثانية لهجوم في البحر الاحمر    - وفاة عميد المخترعين اليمنيين المهندس محمد العفيفي صاحب الأوتوكيو ومخترع ال 31 ابتكارا    الرصاص يتفقد سير العملية التعليمية والتربوية في البيضاء    الدبة وصلت 2000.. تعز بدون ماء    صرخة الحق في زمن السقوط العظيم    مونديال الأندية.. فيفا يلغي مباراة المركز الثالث    كمبيوتر عملاق يتوقع بطل كأس العالم للأندية 2025    القدس يحرز كأس الفقيد الحكم الدولي المروني للكرة الطائرة    الهلال السعودي يتعاقد مع اللاعبة الفرنسية حمراوي    أمم أوروبا سيدات.. إسبانيا تكتسح بلجيكا بسداسية    النجدة بصنعاء تستعيد 41 سيارة مسروقة    شرطة تعز تمهل الجهات المختصة 24 ساعة لحل أزمة مياه الشرب وتؤكد أنها لن تقف عاجزة    معركة كربلاء من المأساة الى المنارة (3)    اكتشاف مدينة مفقودة في بيرو عاصرت حضارات مصر القديمة وبلاد الرافدين    الخبير المعالج الصلوي: الطب الشعبي مكملاً للطب العام ، في عدة مجالات    شعب الجنوب يتعرض لأبشع صور العذاب والموت البطيء.!    عاجل: مقتل 5 جنود إسرائيليين شمال غزة    ال عفاش يستغلون مكرمة اماراتية كهربائية ويبيعونها لحسابهم الخاص    بعد ليزا نيلسون.. فنان فرنسي يتهم مها الصغير ب"سرقة" لوحاته    الفصل الخامس    مافيش راتب.. مافيش كهرباء.. مافيش خدمات    الامارات تنجز 90% من مشروع محطة الطاقة الشمسية لكهرباء عتق    توازن مختل في عدن.. السلاح بأيد الجنوبيين وخزائن المال يمتلكها وافدي تعز    غدا.. تشيلسي يواجه فلومينينسي في نصف نهائي كأس العالم للأندية    ردع منهار وأهداف غائبة : عجز إسرائيلي أمام جبهة الإسناد اليمنية    ترامب يفرض رسومًا جمركية على 14 دولة ابتداء من اغسطس    تحسن ملحوظ في خدمة الكهرباء بعدن عقب وصول شحنة وقود إسعافية    عقلية التملك والاستحواذ لدى جماعات الاسلام السياسي    صنعاء .. التأمينات الاجتماعية تعلن صرف مرتبات المتقاعدين وتستعد للانتقال للمحفظة الإلكترونية    مفتاح وجعمان يفتتحان مشاريع خدمية ومبادرات مجتمعية بعمران    إين هي حرية الاختيار المزعومة؟!    الرئيس الإيراني: نستعد لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة ولكن هناك مشكلة ثقة    تسجيل هزتين ارضيتين وسط محافظة الحديدة    القطاع التربوي في سنحان ينظم فعالية بذكرى استشهاد الإمام الحسين    اليافعي يكرّم الفنانة التشكيلية من ذوي الاحتياجات الخاصة هبة الفقير    انتقالي شبوة يتفقد العمل في مستشفى محمد بن زايد التعليمي    دور السينما في السعودية تربح 111مليون ريال سعودي في شهر فقط    شركة النفط بصنعاء تطمئن : الوضع التمويني مستقر وخطط الطوارئ أثبتت فعاليتها    31 عاماً على حرب صيف 94.. الجنوب يحيي الذكرى ويؤكد أن لا وحدة بالقوة    مدرب الناشئين:سنتيح الفرصة لاستكشاف المواهب على امتداد خارطة الوطن    هيئة الإغاثة تتفقد أسرة ضحايا مجزرة الحوثي في المُسيمير بلحج    الذهب يتراجع مع انحسار المخاوف التجارية عقب تمديد مهلة الرسوم الجمركية الأميركية    حزام يافع يكشف تفاصيل جريمة مقتل الطفل صالح الجهوري ويضبط الجاني    الإعلام الأمني: تسجيل 23 حالة انتحار خلال يونيو ومأرب وتعز تتصدران القائمة    مصر.. اكتشاف مقابر أثرية تحمل زخارف مدهشة في أسوان تعود للعصرين اليوناني والروماني    إسرائيل تشن هجوماً على الحديدة والحوثيون يتصدون "للعدوان"    العام الهجري الجديد آفاق وتطلعات    أين علماؤنا وفقهاؤنا مع فقه الواقع..؟    سريع: تصدينا لجزء كبير من تشكيلات الهجوم الاسرائيلي    بمشاركة عدد كبير من الأطباء من الداخل والخارج .. تحضيرات لعقد المؤتمر الطبي السابع لطب الأسنان    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة بذكرى استشهاد الإمام الحسين 1447ه    لا يحق لإمام المسجد رفض أمر ولي أمر المسلمين بعزله من الامامة    مرض الفشل الكلوي (11)    دراما اللحظات الأخيرة.. الريال يعبر دورتموند ويصطدم بسان جيرمان    نار الأسعار بعدن تجبر المواطنين على ترك وجبة شعبية شهيرة    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    ساير الوضع    ساير الوضع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليالي الأنين في ذاكرة سجين

ذات مساء من مارس في العام 1982م ، ذهبت إلى مبنى فرع الأمن الوطني بتعز لتسليم نفسي طوعاً ، بعد اعتقال رفيقين لي في عضوية خلية تابعة لمنظمة المقاومين الثوريين ، في الطريق إلى غرف التحقيق كانت صرخات المعتقلين تثير في نفسي الرعب الممزوج بحيرة عن هذه البشاعة في أنواع مختلفة للتعذيب.
في تلك الفترة لم أكن معتاداً على السهر بعد العاشرة مساءً ، لكني أجبرت تلك الليلة على السهر حتى أذان الفجر ، كانت ليلة مرهقة لنفسي ومشاعرها المضطربة إزاء الوضع غير المعهود ، ومرهقة لجسدي بالسهر المفروض علي بقوة الإجابة المكتوبة على أسئلة المحقق ولعقلي المشحون بالأسئلة عن أفراد مستسلمين بغير مقاومة لأفراد يضربونهم بوحشية.
لا تزال صورة احد الضحايا حية في الذاكرة كما شاهدتها أول مرة ، كان أحد المعتقلين يصرخ بألم مسكون بالقهر ، واثنين من عتاولة التعذيب يضغطون باب الغرفة على جسده المسند إلى الجدار وهو مستسلم بانكسار غريب بين عينيه ظل يلازم وجهه طيلة رفقتنا بالمعتقل المغلق بإحكام عن ضوء الخارج ، ولأني سلمت نفسي فقد نجوت من التعذيب في أول ليالي الاعتقال.
رُميت في السجن أسبوعا كاملاً عُوملت فيه من السجناء بقسوة لامبرر لها والابتعاد عني كمصاب بالجرب ، بعد أول ليلة عدت فيها إلى المعتقل متكوماً على نفسي مخنوق الأنين ، اكتشفت أن رفاق السجن ظنوني مندساً للتجسس عليهم فابتعدوا عني ، ربما لهذا السبب تكمن الحسنة الوحيدة للتعذيب باعتبارها جواز السفر إلى صحبة رفاق المعتقل.
لم يكن ضابط التحقيق مضطرا إلى تعذيبي ، لأني سلمت نفسي طوعاً، وتطابق اعترافي بما قاله زميلي سابقاً ، حتى سنحت له الفرصة التي ينتظرها لممارسة وظيفته في التعذيب ، سألني لماذا لم أذكر له اسمي التنظيمي فقلت له لأنني لا أمتلك غير اسمي فقط، عندها مد يده إلى زاوية المكتب وأخذ منه جزءاً من كابل كهربائي وبدأ بجلدي حتى تعب من ذلك فاستراح قليلاً ليواصل الجلد بخيزران ، ثم انتقل إلى وسيلة أخرى كنا نسميها القاووق ، وفيها تُعلق مربوطاً على عصا بين مكتبين لساعات تكفي لفقد إحساسك بذراعيك وساقيك , وكان صراخ الضحايا يزيدني رعباً وحيرة.
لم يكن التعذيب مبرراً باعتباره وسيلة للحصول على المعلومات من المعتقلين ، فأنا، مثلاً ورفيقي ، عندما ذكرنا من نعرفهم من أعضاء الجبهة ، كنا لا نعرف سوى الأسماء التنظيمية ، وهذه المعلومة صدقها ضابط التحقيق فزودنا بالأسماء الحقيقية لكل هؤلاء، لكن رغبته في التعذيب كانت من صميم عمله الوظيفي ، لتحطيم روح التطلع السياسي في نفس ووعي المعتقل ، ففي كل حالات التحقيق والتعذيب التي شاهدتها ، كان المحقق يحرص على امتهان واحتقار الضحية ، وتحقير فكره السياسي وطموحه الوطني بشكل خاص.
ماهي الجريمة التي كافحها الأمن الوطني في تلك الفترة؟ إنها جريمة التحزب المحظور حينها بغير قانون وعدالة ، وكانت أدلة إثبات الاتهام هي الكتب التي يجدونها في حوزة المعتقل وتخص فكر الحزب الذي ينتمي إليه وأدبياته التنظيمية ، وهكذا كانت القراءة السياسية جريمة لا يعاقب عليها القانون وسلطة القضاء وإنما يتكفل الأمن الوطني بالتنكيل بأهلها ، تعذيباً وامتهاناً ، وبعد ذلك إقصاءً وحرماناً من الوظيفة العامة والحقوق ، بما فيها حق السفر للخارج من أجل التعليم أو العلاج.
اليوم ، تبدو تلك الفظاعات جزء من تاريخ أليم ن لكنها في ذاكرة التاريخ مرحلة لم تكن بشعة بجرائم البطش والاعتقال وفواحش القهر التعذيب فحسب بل بدافعها الاستراتيجي لتكريس الجهل السياسي ومصادرة حق الإنسان في المعرفة والنشاط ، وقد نجحت هذه المرحلة فعلاً في إفقار الوطن من كوادره المؤهلة بعلوم العصر وجديد الفكر الخاص بالمجال السياسي ، لقد كافح الأمن الوطني كل محاولة للمعرفة وكل تطلع للوعي ، فنكل بمن حاول الاطلاع، وأرهب الآخرين الذين استحبوا الجهل طمعاً في النجاة من جحيم القهر والتنكيل في أقبية الأمن الوطني ، وبهذا تسلط الجهل واستبد التخلف والفساد.
أتذكر هذا الرعب في مرحلة تعدنا بالعدالة الانتقالية ، لأقول إن المطلوب من العدالة الانتقالية إدانته وتجريمه هو السلوك الذي مارسته أجهزة أمن الوطن والدولة بغير سند قانوني، وبدون سلطان قضائي ، إذ كان ممكناً لسلطات تلك المرحلة مكافحة الحزبية بالقانون وسلطة القضاء ، لكن القانون والعدالة لا يسمحان بالتجهيل السياسي ولا يعاقبان على المعرفة والاطلاع ، لذلك نأى القمع بسلطاته عن القانون ، فأوصلنا بسياسة الجهل والخوف إلى الفساد الشامل والتأزم الذي كاد أن يفجر الوطن والدولة ، وها قد فتحنا ثغرة للنور بمؤتمر المعرفة والحوار، فلتكن العدالة الانتقالية وسيلتنا إلى تامين الغد من أنين ضحايا التجهيل الرسمي والتعذيب الأمني.
[email protected]
رابط المقال على الفيس بوك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.