رؤية المجلس العام لمعتقلي الثورة اليمنية لمعالجة قضية المخفيين قسراً ( المخفيون قسراً خلال مرحلة ثورة 2011م والصراعات السياسية السابقة في اليمن) مقدمة: لاشك أن مشكلة الصراعات السياسية خلال المرحلة الماضية في اليمن أظهرت مشاكل عديدة ومنها قضية المخفيين قسرياً، التي مازالت أضرارها قائمة إلى اليوم وحجم المشكلة الممتدة من صراعات المناطق الوسطة، أحداث الحجرية، ريمة، حرب صيف 1994م، 1978م، والفترات والمدد الزمنية الواقعة بين كل هذه التواريخ، وحتى أحداث الثورة الشبابية الشعبية التي اندلعت مطلع عام 2011م، حيث أنه لم يكشف النظام السابق عن مصير عدد من شباب الثورة وأنصارها حتى الأن. إذاً فحجم المشكلة كبيرة ، إذ لا يزال أشخاص إلى اليوم مخفيون قسراً بسبب صراعات الماضي، وقد سمعنا خلال الشهرين الماضيين عن ظهور ثلاثة أشخاص كانوا مخفيين منذ 1978م، وظهرت في الحديدة في أحد مصحاتها. إلا أن الكثير منهم (أي المخفيين) مازالوا حتى هذه الثانية مخفيون قسراً ولم تكلف الحكومات السابقة وحكومة الوفاق نفسها فعل شيء تجاه المعتقلين والمخفين قسراً ولم تقدم شيئاً يذكر تجاه أهاليهم بجر ضررهم من هذه الجريمة. وبالتالي فإننا نرى الحل في العدالة الانتقالية التي تقتضي الكشف عن مصير المخفيين قسراً والإفراج عنهم وعن المتعقلين وتعويضهم وتقديم الجناة إلى العدالة إحقاقاً للحق وانتصاراً وانتصافاً للمجني عليهم وأسرهم خلال المدة والفترة الماضية. وعليه: فإننا سنستعرض في هذه الورقة أهم متطلبات حل ومعالجة هذه المشكلة وضمان عدم تكرارها وهذا الأهم يتمثل في ( تعريف الإخفاء أو الإختفاء القسري وأسباب حدوثه والأثار التي لحقت بالضحايا وأهاليهم ومحبيهم في محيطهم الإجتماعي وكذلك المعالجات والأليات المقترحة لإنصاف الضحايا وجبر ضررهم وضمانات عدم تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً من خلال العدالة الإنتقالية ). أولاً: التعريف: وفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي نطالب بأن تصادق عليه الجمهورية اليمنية فإن الإختفاء القسري هو: القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم علي أي نحو آخر، علي أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو علي أيدي مجموعات منظمة أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون. ثانياً: الأسباب: من أهم الأسباب التي أدت إلى ارتكاب جريمة الإخفاء القسري الأتي: 1- الصراعات السياسية. 2- الحروب. 3- دوافع الانتقام. 4- السلطة. 5- القمع والانتهاكات. وغالباً ما يتم الإخفاء القسري عن طريق الأتي: 1- الدولة. 2- الأشخاص. 3- الجماعات المسلحة ( من أفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها أو سكوتها ). 4- منظمة سياسية. 5- رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو اخفاء مصيره أو مكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون. ثالثاً: أثار الإخفاء القسري: أ- على الضحايا: يتأثر الضحايا الذين كثيراً ما يتعرضون للتعذيب والخوف المستمر على حياتهم، ويتأثر أفراد أسرهم، الذين يجهلون مصير أحبابهم، وتتأرجح عواطفهم بين الأمل واليأس، فيترقبون في حيرة طيلة سنوات أحيانا، وصول أخبار قد لا تأتي أبداً، ويدرك الضحايا جيداً أن أسرهم لا تعرف شيئا عما حل بهم، وأن فرص حضور من يمد لهم يد المساعدة ضئيلة. وقد أصبحوا في الحقيقية - بعد إقصائهم عن دائرة حماية القانون و "اختفائهم" من المجتمع - محرومين من جميع حقوقهم، وواقعين تحت رحمة آسريهم. وحتى إذا لم يكن الموت هو مآل الضحية، وأخلى سبيله من هذا الكابوس في نهاية المطاف، فإن الآثار الجسدية والنفسية لهذا الشكل من أشكال التجريد من الصفة الإنسانية، وللوحشية والتعذيب اللذين يقترنان به في كثير من الأحيان تظل حاضرة. وعلى شكل نقاط محددة فإن الإخفاء يعتبر انتهاكا خطيراً لحقوق الإنسان، فأثناء عملية الاختفاء، يمكن أن تنتهك كثيراً من الحقوق المدنية والسياسية للضحية نفسها ومنها التالية: - حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية. - حق الفرد في الحرية والأمن على شخصه. - الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. - الحق في الحياة، في الحالات التي يقتل في الشخص المختفي. - الحق في الهوية. - الحق في محاكمة عادلة وفي الضمانات القضائية. - الحق في سبيل انتصاف فعال، بما في ذلك الجبر والتعويض. - الحق في معرفة الحقيقة فيما يخص ظروف الاختفاء. ب- على أقارب الضحايا وأصدقائهم: وتعاني أسر المختفين كما يعاني أصدقاؤهم من غم نفسي بطيء، لعدم علمهم إذا كان الشخص الضحية لا يزال على قيد الحياة، وإذا كان الأمر كذلك، فأين يحتجز، وما هي ظروف احتجازه، وما هي حالته الصحية. كما أنهم يدركون أنهم مهددون هم كذلك، وأنهم قد يلقون المصير نفسه، وأن البحث عن الحقيقة قد يعرضهم لمزيد من الأخطار. وكثيراً ما تزداد محنة الأسرة من جراء العواقب المادية للاختفاء القسري، ذلك أن الشخص المختفي غالبا ما يكون هو العائل الرئيسي للأسرة، وقد يكون هو الفرد الوحيد في الأسرة الذي يستطيع زراعة الأرض أو إدارة المشروع التجاري للأسرة، وهكذا يتفاقم الاضطراب العاطفي باقترانه بالحرمان المادي الذي تشتد حدته في الأسرة نتيجة التكاليف الإضافية التي تتكبدها إذا قررت البحث عن فردها المختفي. وعلاوة على ذلك، فإن الأسرة لا تعلم إن كان عائلها ومحبوبها سيعود يوما، ولذلك فمن الصعب عليها التكيف مع الوضع الجديد، وتكون النتيجة أيضاً في أغلب الحالات أن تعيش الأسرة مهمّشة اقتصاديا واجتماعيا، وتتحمل النساء في أغلب الأحيان وطأة الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي عادة ما تصاحب حالات الاختفاء، فالمرأة هي التي تتصدر الكفاح في معظم الأحيان لإعالة من خلفهم المخفي قسراً وكذلك تعمل لإيجاد حل لقضية اختفاء أفراد من أسرتها، وقد تتعرض المرأة بقيامها بذلك للمضايقات والاضطهاد والانتقام. ويمكن أن يقع الأطفال أيضا ضحايا، بصورة مباشرة وغير مباشرة معاً ويشكل اختفاء الطفل خرقا واضحا لعدد من أحكام اتفاقية حقوق الطفل، بما في ذلك حقه في التمتع بهويته الشخصية، كما أن فقدان أحد الوالدين عن طريق الاختفاء يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان المكفولة للطفل. وبصورة مختصرة فإن الاختفاء القسري ينتهك أيضا بصفة عامة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للضحايا وأسرهم على حد سواء، ومن هذه الحقوق التالي: - الحق في توفير الحماية والمساعدة للأسرة. - الحق في مستوى معيشي مناسب. - الحق في الصحة. - الحق في التعليم. ج - على المجتمع: يتأثر المجتمع تأثيراً مباشراً من جراء اختفاء العائل الوحيد للأسرة، بالإضافة إلى تأثرها من تدهور الوضع المالي للأسر وتهميشهم اجتماعياً. وكثيراً ما استُخدم الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمع، فالشعور بانعدام الأمن الذي يتولد عن هذه الممارسة لا يقتصر على أقارب المختفي، بل يصيب أيضا مجموعاتهم السكانية المحلية ومجتمعهم ككل. رابعاً: الحلول والمعالجات المقترحة الضامنة لعدم التكرار: إننا نرى أنه يجب أن تشمل العدالة الانتقالية حل كافة مشاكل الماضي وإعادة حقوق المظلومين وإنصاف الضحايا وأن تضمن عدم تكرار ارتكاب مثل تلك الإنتهاكات، ولذلك فلا بد أن تعالج قضية المخفيين قسراً وقضاياهم وحقوقهم وحقوق أهاليهم في إطار العدالة الانتقالية التي تقتضي الكشف عن مصير المخفيين قسراً والإفراج عنهم وعن المتعقلين وتعويضهم وتقديم الجناة إلى العدالة إحقاقاً للحق وانتصاراً وانتصافاً للمجني عليهم وأسرهم خلال المدة والفترة الماضية. - ماهي العدالة الانتقالية: ( العدالة الانتقالية ليست انتقائية أو انتقامية وإنما انتقالية من وضع سيء إلى وضع أفضل ). وهي مجموعة من الإجراءات التي تتخذها الحكومات لمعالجة مدرونات وانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في الماضي بسبب الصراعات السياسية ووضع برنامج زمني لمعالجة هذه الانتهاكات، والانتصار للضحايا ومنع تكرارها لاحقاً. ( وهذا أصلاً يأتي أما بعد ثورة، أو انقلاب ، أو تغيير سياسي ) للنظام الذي كان يمارس الانتهاكات أثناء فترة حكمه. - إجراءات العدالة الانتقالية كالتالي: 1- تقصي الحقائق حول الانتهاكات. 2- رفع الدعاوي القضائية. 3- جبر الضرر أو التعويض. 4- الإصلاح المؤسسي. 5- إحياء الذكر أو تخليد الذكرى. - مكونات العدالة الانتقالية: 1- حقوق الإنسان. 2- القانون. 3- السياسة. - معالجة المشكلة يقتضي: 1- تقضي الحقائق حول المشكلة: - استمارة نزول ميداني. - استمارة ملاحظة. - جمع المعلومات وتحليل المعلومات والبيانات والتأكد من صحتها. 2- النزول الميداني للكشف عن مصير المخفيين قسراً وذلك للإلتقاء بالجهات والشخصيات الأتية: - أسر الضحايا. - الشهود. - الجهات الرسمية ( الحكومية ). - الجهات غير الرسمية. - أقسام الشرطة. - المستشفيات. - الوجاهات. - أماكن الاختفاء. - غير ذلك. 3- العمل على الإفراج عن المخفيين وكشف مصيرهم. 4- رفع تقرير بالوثائق والمتورطين. 5- اقتراح التعويض المناسب واقتراح التوصية بتقديم الجناة إلى العدالة حتى لا تتكرر الجريمة. ونقترح أن يقدم التعويض ويهدف إلى: أ- الإقرار بفضل الضحايا. ب- ترسيخ ذكرى الانتهاكات في الذاكرة الجماعية. ج- تشجيع التضامن مع الضحايا. د- إعطاء درس ملوس على مطالبي رفع الحيف وتهيئة المناخ الملائم للمصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا بالدولة. ه- مبدأ التعويض أصبح الزامياً بموجب القانون الدولي. - ومما نقترحه من أشكال إضافية من تعويض الضحايا وأسرهم الأتي: 1- إعادة الحقوق القانونية إلى الضحايا أو ممتلكاتهم. 2- إرجاع حقوق الحرية والمكانة الاجتماعية للضحايا (المخفيين). 3- إعادة الاندماج في المناصب السابقة والوظائف العمومية. 4- وضع برامج خاصة لإعادة تأهيل الضحايا مثل ( العلاج – السكن – التعليم – الصحة وغير ذلك ). 5- جبر الضرر ويشمل ( التعويض المادي – المعنوي ). 6- توفير الظروف التي تمنع تكرار انتهاك حقوق الإنسان ثانية وممارسة الإخفاء من جديد. 7- إظهار الحقيقة من وسائل جبر الضرر من خلال لجنة أو هيئة الانصاف والمصالحة. - كما أننا نقترح أيضاً أن يراعى في التعويض المادي التسلسل الأتي: 1- ضرورة تحديد أنواع الأضرار الممكن تعويضها. 2- تقدير حجم الضرر بعد إيجاد الموارد. 3- تحديد مبلغ التعويض للأفراد أو للجماعات المخفيين بعد الكشف عن مصيرهم. 4- تحديد كيفية توزيع التعويضات والجهة التي ستتولى توزيع التعويضات. 5- تحديد المرحلة الزمنية المشمولة ببرنامج التعويض. 6- التحقق من إمكان وجود سبيل لاشراك الجهة المستفيدة من انتهاكات حقوق الإنسان أو مرتكبيها في تمويل برامج التعويضات ( تساهم في دفع ما اقترفته ). 7- شمولية التعويض ( يجمع الضحايا وأسرهم ). إعداد: 1- عبدالكريم ثعيل – رئيس المجلس العام لمعتقلي الثورة اليمنية 2- عيدي المنيفي - المستشار الحقوقي للمجلس العام لمعتقلي الثورة