ترتبط عملية بناء وترسيخ دعائم الدولة المدنية الحديثة في أي مجتمع إلى حد كبير بمستوى ثقافة المجتمع ونظرته لمختلف الجوانب المتعلقة ببناء الدولة المدنية الحديثة وأسسها ومضامينها وركائزها الحديثة والمتقدمة. فكلما زاد مستوى وعي أبناء المجتمع وتطورت ثقافته في التفاعل والتعامل مع معطيات ومتغيرات العصر ومتطلبات بناء الدولة, كلما ساهم ذلك في سهولة وسرعة التحول والانتقال إلى مفهوم وأسس الدولة المدنية الحديثة وتجسيدها على ارض الواقع . فالدولة المدنية الحديثة تقوم أولاً على سيادة النظام والقانون, وتعرف على أنها اتحاد من أفراد يعيشون في مجتمع يخضع لنظام من القوانين، مع وجود قضاء يطبق هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل. فمن الشروط الأساسية في قيام الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فثمة دائما سلطة عليا هي سلطة الدولة يلجأ إليها الأفراد عندما تنتهك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. هذه السلطة هي التي تطبق القانون وتحفظ الحقوق لكل الأطراف، وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم. ومن ثم فإنها تجعل من القانون أداة تقف فوق الأفراد جميعا. ولهذا فإن من أبرز عوامل نجاح وتحقيق الدولة المدنية الحديثة هو انتشار ثقافة احترام النظام والقوانين بين أبناء المجتمع بمختلف شرائحه وفئاته, واقتناعهم بذلك لأن القناعة التي تتولد لدى الإنسان تكون كالوتد الثابت والمرتكز المتجذر لبناء باقي أفكاره وأطروحاته، وما نحتاجه اليوم وما يتطلبه الوضع في بلادنا هو أن يكون القانون ثقافة وقناعة تستقر في عقول الجميع ومبدأً سامياً لا مساومة عليه، ومعياراً لمدى انضباط الشخص ومواطنته، قبل أن يكون الخوف من العقوبة وسيلة لتطبيقه. والدولة المدنية الحديثة تقوم أيضاً على أساس نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر، المساواة في الحقوق والواجبات، والثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة. وبالتالي لابد من انتشار ثقافة التسامح والقبول بالآخر بين أفراد المجتمع وبين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية في المجتمع, كعامل مهم لتحقيق وتجسيد مفهوم الدولة المدنية الحديثة على ارض الواقع, و ثقافة التسامح لا تعني التسامح مع الآخرين حين يرتكبون الأخطاء فقط، بل تعني قبول الآخرين كأفراد وجماعات وتجمعات بكل ما يحملونه من أفكار مختلفة وما يؤمنون به من آراء متباينة, وعدم التسامح يؤدي إلى موت الفكر وغياب الديمقراطية، وإلغاء حقوق الإنسان، وإلى رفض الحوار وتداول السلطة. وتعدد العنصرية والعدوان والتسلط في المجتمع, ولذلك فإن تعميق مبدأ التسامح في الوجدان والممارسة، هو المقدمة الأساسية إلى تحرير الإنسان من كافة أشكال العبودية والقهر والتسلط. وإن تحقيق تطلعاتنا في التحرر وبناء الدولة المدنية الحديثة والتقدم والعدالة والأمن والاستقرار، لن يتم إلا عبر الشراكة السياسية الفعالة بين مختلف اطراف العمل السياسي وذلك يتطلب في المقام الأول تسامحاً سياسياً بين جميع هذه الأطراف، والتي تحتاج في الأساس إلى ثقافة سليمة، وعملية تربوية، وثقافة وتنشئة سياسية تقوم على التسامح وقبول الآخر. وبالإضافة إلى ضرورة انتشار ثقافة احترام النظم والقوانين وثقافة التسامح والقبول بالآخر بين أبناء المجتمع لتسهيل وتسريع التحول نحو بناء الدولة المدنية الحديثة, فإن هناك العديد من أبعاد أو عناصر الثقافة في المجتمع مطلوب الاهتمام بها ونشرها بين أبناء المجتمع لترسيخ دعائم الدولة المدنية التي نتطلع إليها كيمنيين . من ابرزها ثقافة الحوار ونبذ العنف, وثقافة احترام الوقت, وثقافة الإبداع والابتكار والإنتاج, وثقافة الإخلاص والتفاني في العمل, وثقافة النظافة والحفاظ على البيئة.. وختاما يمكننى القول: بأن نجاح ابناء اليمن اليوم فى التحول نحو الدولة المدنية اليمنية الحديثة, يتوقف على عدة عوامل ومتطلبات أبرزها من وجهه نظري أن تترسخ ثقافة حب الوطن والانتماء إليه في قلوب وسلوك وممارسات كل أبنائه بحيث يجعل الجميع حكاماً ومحكومين , قيادات وأحزاباً ومنظمات سياسية واجتماعية , مصلحة الوطن العليا فوق أي مصالح شخصية أو سياسية أو حزبية أخرى . وان يمتلك الجميع درجة عالية من الوعي الوطني وتعم ثقافة الالتزام بالنظام واحترام القوانين والتسامح والقبول بالآخر والإخلاص في العمل والحرص على مصلحة الوطن وتنميته.. كل أبناء الوطن وفي مختلف أرجائه . رابط المقال على الفيس بوك