تُلبد في سماء الحياة العربية غيوم حرب طائفية ومذهبية، بدت شرارتها تلوح في أفق الأوضاع لكل من سورية والعراق وعدد غير قليل من الدول العربية، كدليل صارخ لهذا النزوع الطائفي والمذهبي والذي سيلقي – بالتأكيد – بظلاله السلبية على المنطقة ككل. وفي هذا السياق يمكن رصد تدخل حزب الله اللبناني من خلال تصريحات أمينه العام حسن نصر الله مؤخراً بأن قواته متواجدة هناك لحماية تراث آل البيت.. مما يعني ذلك حرباً شيعية – سنية واتساع رقعة الاحتراب، خاصة في ظل غياب الموقف الدولي الواحد للتوافق على تسوية نهائية لهذه الأزمة التي طال أمدها وتنذر بوضع كارثي إذا ما استمرت الحرب واستفحل فيها ومن خلالها رمزية العنصر المذهبي ،حيث تتبدى هذه الصدامات بصورة واضحة في النزوع الحاد في الصدام والاستقطاب المذهبي والطائفي من داخل وخارج الأرض السورية. وبطبيعة الحال، فإن الأمر في العراق لا يختلف كثيراً عما هو في سورية، إذ لا يزال نار الاقتتال الداخلي يستعر وعلى نحو متصاعد يعيد إلى الأذهان دروس الاحتراب الأهلي عام 2006م ،لعل أبرز الصدامات والتفجيرات المتبادلة بين مكونات ومناطق العراق ،خاصة في الفترة الأخيرة يعكس –هو الآخر –هذا النزوع الخطير نحو الاحتراب الطائفي الذي أشار إليه مؤخراً رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو يؤكد بأنها ستكون حرباً بلا نهاية! ويمكن القول: إن الأمر لا يختلف كذلك في ما يحدث داخل البحرين وفي بعض البلاد العربية التي تعيش – للأسف الشديد –صدامات مذهبية وطائفية تغذيها أطراف دولية وإقليمية، تسعى بكل ما لديها من نفوذ وإمكانات إلى تقويض حالة الاستقرار والتعايش داخل منظومة الأقطار العربية، مما يسهل على هذه القوى تمرير أجندتها السياسية والمذهبية وتحويل أنظار الأمة عن أهدافها الاستراتيجية في التنمية الشاملة، فضلاً عن إهدار طاقات وإمكانات الأمة وذلك بخلق بيئة طاردة للاستقرار وجاذبة لحالة الاقتتال. لقد كان المرء في الوطن العربي يتوقع أن ثورات الربيع سوف تسهم في إخماد بؤر التوتر والاحتقان الطائفي، لكنها – مع الأسف – تركت المجال لتلك القوى الإقليمية والدولية إعادة إنتاج وتأجيج الاختلاف والاحتراب المذهبي الطائفي وعلى نحو غير مسبوق، بحيث بات كل قطر عربي يحمل في داخله عوامل التفتت والتفجير.. الأمر الذي يتطلب من القوى الوطنية داخل هذه الأقطار سرعة البحث عن صيغ مشتركة لوضع حد لهذا التدهور المريع في نسيج التماسك الوطني ..وبالتالي البحث –جدياً –في معالجة ظواهر هذا الاحتقان والاقتتال الذي أصبح سمة بارزة تطبع الحياة العربية الراهنة من المحيط إلى الخليج، بل ويشكل حالة إحباط عامة تساهم –جدلياً –في تراجع الاهتمام بالقضايا المركزية مقابل بروز المسائل الجانبية والهامشية. عملياً، يمكن القول: إن معادلة الأمن القومي تجاه الخطر الصهيوني لم تعد قائمة اليوم إثر تصدع الجبهات المصرية والسورية واللبنانية وخروجها من معادلة التصدي للكيان الصهيوني، كما أن الانقسام الحاد في مؤسسة الجامعة العربية -هو الآخر- قد رتب أعباء إضافية على الموقف الداعم للقضية الفلسطينية عربياً ودولياً ،لذلك من الطبيعي أن نرى إسرائيل في موقع الاستفادة من هذا الانحدار في الأوضاع العربية المتردية التي تعيشها الأمة وهي تنزلق إلى أتون حروب داخلية ،يتلاشى فيها المشروع القومي العربي تدريجياً إيذاناً بحرب لا نهاية لها. رابط المقال على الفيس بوك