في مقابلة أجرتها معه صحيفة الميثاق الأسبوعية، حدد الأستاذ عبد الحميد الحدي التوافقية أساساً لبناء الديمقراطية في النظام السياسي للدولة اليمنية، ومؤسسات الحكم وإدارةعملية الصراع على السلطة، والأستاذ الحدي بهذا المقترح يتوافق مع اتجاه فكري في المنطقة العربية، يدعو إلى, ويتبنى الديمقراطية التوافقية، التي يعتبر لبنان مسرح تجلياتها التطبيقية في الوطن العربي بنمط منها يتلاءم وخصوصية لبنان. المقابلة التي نشرتها الميثاق في عدد الأول من أبريل 2013م تضمنت رؤية شاملة للحالة السياسية ، كما هي متحركة بملفاتها في أروقة الحوار الوطني وبين مكوناته وأعضائه، قدم فيها الأستاذ الحدي تفسيره للأزمة وتصوره للحلول، بناءً على معرفته كمختص بالقانون الدستوري، وعلى تجربته كقيادي سياسي في تاريخ اليمن الجمهوري، قبل الوحدة وبعدها، ومهما كانت درجة الاتفاق أو الاختلاف مع تفسيره وتصوراته، فإن الأستاذ الحدي كان إلى حد ما موضوعياً في كثير من أطروحاته بتلك المقابلة، ونظراً لشمول المقابلة واتساعها سوف نقف عند مقترحه لبناء الدولة والنظام السياسي على أساس مفهوم الديمقراطية التوافقية. لم يقدم الأستاذ الحدي في المقابلة تعريفاً أو مثالاً للديمقراطية التوافقية ، ولن نحاول نحن ذلك ، لأن عرض أسباب هذا المقترح وبيان مناسبته وملاءمته للحالة اليمنية ، تسهم في تعريفه إلى حد كبير، فالحدي يرى أن تراكمات النزعة الاستئصالية في صراعات القوى السياسية بالشطرين قبل الوحدة، وزيادة الانفراد بالسلطة، وتضييق دائرة الشراكة والمشاركة هي التي أنتجت الأزمة الوطنية في دولة الوحدة قبل وبعد حرب صيف العام1994م ، ولهذا يرى أن الحل الأمثل للأزمة ، هو في الديمقراطية التوافقية التي تجسد جماعية القيادة في مجلس رئاسي، والشراكة والمشاركة في مؤسسات السلطة. الأستاذ الحدي ، يقرأ الواقع السياسي والاجتماعي ليستدل به على ضعف الحالة الحزبية، ونخبوية أطرها، وواقع التخلف السائد، وما تصاحبه من ظواهر الفقر والتهميش، ليؤكد حاجة هذا الواقع إلى تنمية العمل الحزبي ، وتمكين المرأة ، وردم الهوة بين المدينة والريف، وذلك لا يتحقق ، حسب رأيه إلا بالديمقراطية التوافقية بين جميع القوى الوطنية وأحزابها السياسية. يبرر الأستاذ الحدي ملاءمة الديمقراطية التوافقية في اليمن بقوله: “ من الصعب أن ينقل اليمن نقلة نوعية على أساس نظام الأغلبية المطلقة، بحيث أن حزباً يحكم والبقية يتفرجون، لأن هذه الكوارث من بعد الوحدة إلى اليوم والتي أوصلت البلاد إلى مانحن عليه اليوم سببها الانفراد بالسلطة وحكم الحزب الواحد والجماعة الواحدة ، إننا في المؤتمر الشعبي العام انفردنا بالسلطة ولم يشاركنا أحد في الحكم فوصلنا إلى هذه الحالة التي نحن عليها اليوم” ويضيف “ إذاً فإن المطلوب هو إيجاد حالة من التوازن بحيث نجعل من جميع الشركاء في البرلمان شركاء في الحكومة وفي رئاسة الدولة، ففي تقديري أن رئاسة الجمهورية لم تعد مناسبة لليمن، وفي رأيي أن المناسب لليمن هو مجلس أو هيئة رئاسة”. ولأن الحدي يؤكد أن هذه هي رؤيته لبناء الديمقراطية في اليمن منذ قيام دولة الوحدة، فإن القول بأنها مواكبة للمرحلة بعد خسارة حزبه فرصة الانفراد بالحكم قول مردود عليه بما تقدم. يبقى أن نؤكد هنا ما يلي: اولاً: إن الشراكة الوطنية تستدعي هذه الديمقراطية التوفقية لإدارة الخلاف ديمقراطياً بين شركاء وطن واحد لا إقصاء فيه ولا إلغاء ، ولا استفراد فيه ولا استبعاد. ثانياً: إن المشاركةالسياسية، تتجسد من خلال الديمقراطية التوافقية في هيئات منتخبة وإدارات تنفيذية ، تجمع التنوع في الرؤى، وتجسد المشاركة في صنع القرار ومسئولية التنفيذ على المستويين المحلي والمركزي. ثالثاً: إن الاستبعاد السائد للمرأة والشباب والمهمشين يستدعي الديمقراطية التوافقية باعتبارها نظاماً للتعددية الحزبية ، وآلية لاستيعاب الفئات المستبعدة من الشراكة الوطنية والمشاركة السياسية ، كالمرأة والشباب ربما يريد الحدي من المجالس المحلية المنتخبة ومن مجلس النواب أن يكونا على صورة الحوار الوطني في مؤتمره القائم، من حيث شمول مشاركة الكل في إطاره، على أساس نسب تمثيل محددة، وهذا يحدد النسبية أساساً للنظام الانتخابي، بحيث تلزم الأحزاب بتحديد نسب مخصصة للفئات المستبعدة حالياً في إجمالي النسبة التي حصلت عليها من أصوات الناخبين. عموماً، تبدو الديمقراطية التوافقية مرحلة انتقالية مناسبة للتحول الكاملة من ديمقراطية ناشئة إلى ديمقراطية راسخة، وهي فكرة تستحق النقاش ، ولنا معها وقفة أشمل وأكمل. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك