القضية الجنوبية قضية متحركة في الواقع المشهود منذ 19عاماً ، وقضية صعدة ، قضية متحركة في الواقع أيضاً منذ عام 2004م ، وكلتا القضيتين تجسد أبرز تجليات الأزمة الوطنية في المجال السياسي عموماً ، وفي كيان الدولة تحديداً ، ومع ذلك فإن أحزاباً صنعتها وساهمت في تعقيداتها وأحزابا أخرى عاصرتها وعاشت معها، لم تجد فرصة مناسبة للتعبير عن مسئوليتها الوطنية والسياسية إلا بعد شهر ونصف من انطلاقة مؤتمر الحوار الوطني أي في منتصف العام 2013م. باستثناء حزب الرشاد السلفي، وجماعة أنصار الله، بحكم نشأتهما الحديثة ، فإن جميع الأحزاب المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني أظهرت في الرؤى التي قدمتها لفرق عمل المؤتمر حول بعض قضايا الحوار وجهاً من البؤس الحامل لمؤشرات العجز والانهيار في بنية هذه الأحزاب ووظائفها لأن رؤيتها المقدمة للحوار جاءت خالية من ضوابط المنهجية السياسية والتنظيم الحزبي ومشحونة بصراعاتها التاريخية وبروح انتقامية تتجه بها نحو إعادة إنتاج مآسي هذا الماضي في الحاضر والمستقبل. فمثلاً، رأت بعض أحزابنا أن جذور القضية الجنوبية تمتد إلى لحظة استقلال الجنوب وإجلاء جيش الاحتلال البريطاني عنه في 30 نوفمبر 1967م ، لكنها لم تمتد بقضية صعدة إلى لحظة انتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م وقيام النظام الجمهوري، وحين امتد بها بعض الأحزاب إلى ما قبل ثورة سبتمبر ، فلكي يلصق الفكرة الإمامية في جذور قضية صعدة ، ويلاحظ أن اللجوء إلى التاريخ البعيد عن جذور قضيتي الجنوب وصعدة ، جاء بدافع الاستعانة به لتبرير غايته في إدانة أصحاب القضيتين. جذور القضية الجنوبية، كما تجلت في السياق الوطني العام، تمتد إلى لحظة توحد الشطرين في الجمهورية اليمنية عام 1990م ، لكنها تتجذر واقعياً بكارثة حرب صيف العام 1994م ونتائجها المأساوية ، لأن التحالف المنتصر أسقط دولة الوحدة، أما في صعدة فقرار الحرب اتخذته سلطة الحكم بدون مقدمات وبغير مبررات واضحة ومقبولة، ذلك أن رفض المواطن حسين الحوثي دعوة رئيس الجمهورية حينذاك لا يبرر إعلان الحرب. رؤية الأحزاب اليمنية لملفات الأزمة الوطنية تكشف عن رؤيتها للحلول وتصوراتها للمستقبل ، فالذين امتدوا بجذور القضية الجنوبية إلى تاريخ الجنوب الشطري، لم يدركوا أنهم يقدمون حجة قوية لتبرير مطلب فك الارتباط، إذ سيكون مقبولاً من القيادات الجنوبية، تبرير هذا المطلب بالقول ، إذا كانت القضية تعود إلى التاريخ التشطيري للجنوب، ولم تفلح محاولتنا الخروج منها إلى الوحدة ، فاتركوا القضية لأهلها ، ودعوا الجنوبيين يحلون قضيتهم كما نشأت تاريخياً في كيان دولتهم الوطنية المستقلة. أما إذا كان جذر القضية الجنوبية يمتد إلى ميلاد الوحدة، فإن القضية تصبح محددة بدولة الوحدة التي أعاقت الأزمة بناءها ، ثم أسقطتها الحرب ، ليتمكن التحالف المنتصر من إلغاء دولة الوحدة ، وفرض دولة الشمال ، وهذا هو التاريخ المشهود بالواقع والوقائع عن الجذور التاريخية للقضية الجنوبية ، وبرؤيته كما نشأ ، تنفتح للحل باباً يقود كل أطراف القضية إلى دولة واحدة حاضنة للشطرين بآليات المعالجة العادلة للممارسات الفاسدة ،وأسس الشراكة في الوطن والقرار والمصالح المرجوة بالحق وسلطان العدل. كان ميسوراً للأحزاب اليمنية رؤية الواقع كما حدث وإعادة نقل الصورة المرتسمة في تاريخه المشهود كما ركبتها الأحداث والوقائع ،على الأقل المثبتة منها بالوثائق والسجلات الرسمية ,سواءً في رؤيتها لجذور قضيتي الجنوب وصعدة أو في تصوراتها لبناء الدولة وشكلها ، لكن أحزباً آيلة للسقوط ، لم تر في الواقع التاريخي ، كيف أن أوضاعاً قانونية كانت قائمة في مؤسسات دولة الشطر الجنوبي ، أسقطها تحالف الحرب بغير معالجة قانونية ، تنتقل بالمؤسسة والمنتفعين إلى الوضع الجديد ، فمثلاً مصنع صيرة ، كان وضعاً قانونياً قائماً بدولة الجنوب ، لكن تحالف الحرب والنصر أقدم على تدميره بغير قانون أو سلطة قانون ، يراعي العاملين فيه ، ويحفظ مقدراته الوظيفية بحيث يستمر نشاطه الإنتاجي لمشروبات خالية من الكحول. ودع عنك الآن استخدام الدين دعائيا لتبرير التدمير لأن هذا الدين المستخدم سياسيا لم يمنع جرائم نهب الجنوب. التأميم الاشتراكي ، تم بفلسفة اقتصادية وإطار قانوني ، مارسته الدولة ، لكن التدمير والنهب والتشريد صدر من أمراء الحرب ولصالحهم بغير غطاء قانوني للدولة أصلاً ، فكيف نهرب من وجه خطايانا إلى تاريخ بعيد عن الواقع والوقائع؟. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك