في وطني الذي أصبح السلاح الناري رفيقاً لا ينفك عن أغلب أبنائه ينزف كل يوم قتيل بل أكثر ولا ذنب لهم سوى أن الانفلات الأمني الذي يُشرعن حمل السلاح وغياب الدولة هو الحماية التي تُسدل على القتلة، فكل يوم ونحن نسمع أصوات الرصاص في حاراتنا التي كانت تسكنها الألفة وإن نغصها بعض التعصب والمشاجرات بين أصحاب الحارة.. أغلب شباب حاراتنا يحملون السلاح وما إن تنشب أبسط مشاجرة تكون طلقة الرصاص هي الصفعة الأولى لمجرد اجتياح الغضب صدور بعض الطائشين.. وهكذا على حين غفلة وبلمح البصر يسقط صديق الأمس قتيلاً في لحظة غضب وفي ظل عدم حضور الدولة. “نواف” من حارة “وادي الدحي- الحي الراقي” محافظة تعز، يبلغ من العمر 20ربيعاً.. خرج قبل بضعة أيام مثله مثل أي شاب مراهق أثناء مشاجرة بين أبناء الحارة.. كان طرفاً في خصومة، أودت بحياته طلقة رصاص في رأسه، ولم تكن والدته وأخواته على علم بالذي حدث.. “نواف” كالعادة يخرج طوال النهار مع أصدقائه. لم يتمكن شقيقه الواصل من المملكة العربية السعودية من رؤية أخيه الملقى على الأرض والدماء تغطي وجهه ورأسه. تم إبلاغ أمه أن فلذة كبدها الذي خرج مع أصدقائه لن يعود إليها. حتى الشاب الذي أطلق عليه النار وكان صديقاً وجاراً له إلى أيام قريبة ما ظن أن بعد موت نواف سيكون حاله على ما يرام، ففي ساعات الغضب وهذا الاستهتار بالسلاح وغياب الرقابة الأسرية أولاً والأمن ثانياً لا رادع للطيش أبداً. قُتِل “نواف” وها هي حارتي تدوي فيها صراخات أمه الثكلى وأخواته وشقيقه الذي لم يقبل أخوه قبله اللقاء إلا وسبقتها فجعة الوداع.. حال الأسرة والجيران والحارة بائس والكل يبكي نواف، ذلك الشاب المراهق الطيب المتوازن والطائش أحياناً أخرى كأي شاب في عمره. هذه فاجعة في حارتي وغيرها كثير من الفواجع التي يزخر بها وطني. إن انتشار حمل السلاح وهذا الانفلات الأمني زاد في هذه المرحلة التي تكتظ بالفوضى والرعونة وغياب الأمن والأمان.إن رصاصات الموت أصبحت تترصد الجميع من أبناء هذا الشعب الذي أتاه الربيع بحلة جديدة حلة حمراء تنبعث منها روائح الدم.. لدينا أجهزة أمن ورجال أمن، ولدينا مؤسسات عسكرية وميزانيات تصرف لها لكنها موجودة اسماً فقط، فقد أصبح رجل الأمن أكثر خوفاً يتوارى من أمام أعين الجناة، بل أصبح أكثر جبناً من أن يؤدي واجبه فلا شيء يحميه. إن ضياع هيبة الدولة تسبب كل هذا الانفلات وتبريرات حمل السلاح مشرعنة بشرعية ثورات الربيع العربي. الشيخ ومرافقوه يحملون السلاح ومستعدون ومن دون نقاش لمجرد التطاول أن يرشقوا كل من أمامهم بالرصاص، فهم شيوخ والشيخ الآخر لديه من المليشيات المسلحة ما يفوق ما لدى رجال الأمن في الجولات والشوراع والأزقة ومخارج المدينة ونقاط قبلية في المدن والمديريات ومداخلها ومخارجها لا حديث ولا صوت غير صوت الرصاص.. في الأعراس وفي سبيل إقامة عرس لأقارب أحد القادة المتنفذين تزهق روحا شابين.. فقط لأنهما دخلا في موكب أحد المتغطرسين تنطلق الرصاص وتصعد روحاهما مغادرة الحياة لمجرد دخولهما لموكب الموت القادم من عرس لأحد أقارب المسئولين. ضقنا ذرعاً بكل هذا الموت المقدم والمهدى لنا. لم يعد هذا الشعب يحتمل رخص دمائه، ولم يعد من المقبول استمرار هذا الحال على ما هو عليه- حكومة عاجزة عن أن تحمي الشعب والأبرياء والعزل من عبث حمل السلاح وانتشاره لا تستحق الاحترام ولا تستحق أن يطلق عليها حكومة. إن الاستهانة في التعامل مع المجرمين تشجع على التمادي أكثر فلابد من تطبيق القانون الذي أصبح حبراً على ورق- تحقيقات ولا جناه، وإن تم التحقيق و اكتمل تقيد ضد مجهول والجاني موجود يتبختر أمام الجميع وبكل وقاحة تمضي الجهات المسؤولة تندد وتدين وتتوعد ولا عمل لها غير ذلك وهكذا نستمر في هذا الواقع. رابط المقال على الفيس بوك