الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    وسط غياب الدفاع المدني وإهمال السائقين.. احتراق شاحنة نقل على طريق مأرب    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    السيد القائد يحذر من أي تواجد إسرائيلي في ارض الصومال    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    قوات النجدة بأمانة العاصمة تستعيد 3 دراجات نارية مسروقة    وكيل وزارة الخارجية يشيد بدورالصليب الأحمر في ملف الأسرى    فلسطين الوطن البشارة    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    هنأ الشعب بمناسبة جمعة رجب.. قائد الثورة: لابد أن نكون في حالة يقظة مستمرة وروحية جهادية عالية    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    اغتيال جار الله عمر.. اللحظة التي دخل فيها ملف الإرهاب في اليمن دائرة التوظيف السياسي    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    تشييع جثمان الشهيد المقدم توفيق العسيقي في التعزية    تجدد الاشتباكات بين الفصائل التابعة لتحالف العدوان بحضرموت    مركز البحر الأحمر للدراسات يصدر كتابين جديدين حول الهجرة الأفريقية غير الشرعية إلى اليمن والقضية الفلسطينية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    عاجل: أهم نقاط البيان.. سيئون تجدد العهد لاستعادة دولة الجنوب وتفوض الانتقالي خيارًا نهائيًا بلا تراجع أو مساومة    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    تحت شعار الهوية والانتماء.. جامعة صنعاء تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    بعد 15 شهرا من الاختطاف.. محكمة حوثية تأمر بالإفراج عن الصحفي المياحي    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هروب    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    القوات المسلحة الجنوبية تضبط مصفاة غير قانونية لنهب النفط داخل مزرعة متنفذ شمالي في الخشعة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدن..ساحة مفتوحة لسباق التسلح، وموامرات لتفجير صراعات مسلحة !!..
نشر في عدن بوست يوم 28 - 06 - 2012

لم يعد غير صوت الرصاص وحده من يعكر سكون المدينة، ويضج سماءها الهادئة، ويرسم ملامح المستقبل المرعب الذي قد يعانيه سكانها، فثمة مؤشرات وشواهد خطيرة باتت تهدد الآن حياة مدينة عدن وسكانها البسطاء، من خلال تفشي أعمال الفوضى وانتشار ظاهرة حمل السلاح في شوارع ومناطق سكنية باتت مدججة بالسلاح وتعج بالمسلحين.
والوقائع تتحدث عن وجود من يسعى إلى جعل مدينة عدن منصة واسعة لصراعات سياسية قادمة، وساحة مفتوحة لاحتضان أعمال مسلحة وعنيفة، بعد أن سعت كل جهة لها مصالح أو خصومات مع أطراف مناوئة إلى تسليح عناصرها وأنصارها، لأجل فرض سيطرتها ووصيتها على سكان المدينة، وإثبات تواجدها على نحو تستمري فيه الغاية النرجسية دون وضع حسبان لعواقب الانفجار الذي يترقبه سكان المدينة وما يحاك ضدهم من مؤامرات دنيئة، تستهدف في المقام الأول شبابها الذين سيكونون وحدهم في صدارة الموت بعد أن رهنوا أنفسهم ضحايا لغيرهم، وحملوا السلاح تنفيذاً لأجندة ومشاريع تنسجم مع أهداف ومصالح أولئك الداعمون لأعمال التسليح، والهادفون إلى إغراق سكان المدينة في لجة بحراً من الاقتتال فيما بينهم.
ظاهرة انتشار السلاح بين الشباب والمراهقين، وارتفاع معدل جرائم القتل والسطو المسلح، كارثة محدقة تهدد أمن وسلامة محافظة عدن.

الجهات المسؤولة وراء أعمال التسليح والفئات المستهدفة لتسليحها.

هناك جهات وشخصيات بعينها تدرك جيداً أهدافها وتحسب بدقة لحساباتها، هي من وقفت وراء استقطاب شرائح من الشباب من فئات المراهقين والمهمشين والعاطلون عن العمل في مدينة عدن، الذين انجروا بدافع الحصول على المال أو التصديق لوعود توظيف وهمية روجت إبان ذروة الأزمة السياسية والثورة الشعبية المطالبة بالتغيير وإسقاط الحاكم، وتولت تلكم الجهات بنفسها الإشراف على عملية تسليحهم وتجنيدهم ضمن تجمعات مسلحة ونشرها في نطاق الأحياء السكانية الهامة.
وبحسب ما كشفته مصادر أمنية وحقوقية، أن ما يقارب 4000 قطعة سلاح تم نشرها في متناول الشباب بمحافظة عدن خلال 3 أشهر فقط من عمر الأزمة، وهناك من قام بتسليم السلاح لشباب كانوا يعملون في الأمن أثناء فعاليات خليجي 20 قبل الاستغناء عنهم وأطلق عليهم لاحقاً تسمية "طيور الجنة"، بهدف إحداث صراعات داخلية وإثارة أوضاع من البلبلة والفوضى وإرباك مصالح مناوئها، والمتهم فيها شخصيات محسوبة على النظام السابق وأخرى على أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى حركات غير رسمية سعت من جانبها إلى تسليح الشباب ووضعوهم ضمن قواعد لعبة تغذيها شعارات محورها ديني بإقامة خلافة إسلامية، والأخرى وطني وهدفها الاستقلال والتحرير.
والوارد من الاتهامات المتبادلة بين مختلف الأطراف المتصارعة، أن سباق التسلح والسماح بلوج هذه الأسلحة وبكميات واسعة ومختلفة في نطاق محافظة عدن، تنحصر قرائنها بين فلول النظام السابق وبين بعض أحزاب المعارضة، والجميع فيهم يحاولون إحكام سيطرتهم الميدانية وإظهار مراكز قوتهم السياسية في الساحة العدنية، بالتناوب مع وجود شطحات لتكتلات سياسية تطالب بتفجير مواقف عسكرية في المدينة بغية خلط الأوراق السياسية وتغليب موازين القوة والسيطرة لصالحها، كل ذلك يحدث دون الاكتراث بالنتائج الكارثية التي تتحملها مختلف الأطراف المعنية والتي تحاول في لعب أدوارها والحفاظ على مصالحها، وإبقاء سكان المدينة وحدهم في خطر دائم يهدد أرواحهم.
والمؤسف أن ظاهرة حمل السلاح في شوارع عدن، باتت حالياً ظاهرة غير محظورة كما كان عليها في السابق، وهي ظاهرة أصبحت لا تحتاج إلى تراخيص رسمية، بعد أن أعطت كل جهة سياسية وشخصيات نافذة الحق لنفسها بتوزيع السلاح بدوافع الحماية الشخصية وتحصين مقرات أنشطتها، بما فيها مؤسسات وشركات تجارية سعت هي أيضاً إلى توزيع السلاح في متناول موظفيها لحماية مبانيها وممتلكاتها الخاصة.

سباق التسلح وسريانه في مجتمع كان أنموذج لخصائص المتجمع المدني المتحضر، ينذر إلى وجود ثقافة تبلورت في إطار عرقلة تحقيق أهداف الدولة المدنية على مستوى الوطن.
تزايد جرائم القتل والسطو المسلح خلال عام واحد، أضعاف ما كان عليه في السنوات السابقة.

لو أردنا الحصول على أرقام ومعلومات بشأن أعمال القتل وجرائم التقطع والسطو المسلح التي وقعت في محافظة عدن خلال السنة الأخيرة الماضية، سواء أعمال القتل المرتبطة برجال الأمن أو بأشخاص مجهولين قاموا بتصفية خصومهم وسرقة ضحاياهم بعيداً عن طائلة القانون، سنجد بأنها تفوق أضعاف حجم المعدلات التي سجلتها المحافظة خلال السنوات السابقة.

ونورد من سجلات جرائم القتل وأعمال التقطع والسطو المسلح التي حدثت في مدينة عدن خلال شهر واحد فقط، على سبيل الاستدلال لا الحصر، مقتل مواطن يعمل في مجال المقاولة يدعى "أمين عبده قائد" جرى تصفيته من قبل مسلحين أطلقوا عليه النار في الشارع العام بمديرية "المنصورة" أمام مرأى المواطنين، وقيام مجموعة مسلحة من 9 أشخاص، بتنفيذ عملية سطو مسلح لمبنى مكتب البريد في منطقة البساتين ب "دار سعد"، وإشهار أسلحتهم بوجه المواطنين واستلاب مقتنياتهم الخاصة من مبالغ وهواتف نقالة وانتزاع قلائد ذهب من عنق فتاتين، إلى جانب قيام مجموعة مسلحة من الشباب يضعون الوشاح الأسود على وجوههم باختطاف طاقماً طبياً وسرقة أغراض أعضائه الشخصية، أعقبه قيام مجموعة مسلحة بمحاولة سرقة مكتب صندوق النظافة في مديرية "دار سعد"، وقيام مسلحين آخرين بتنفيذ عملية سطو مسلح على محل لبيع الذهب والمجوهرات في مديرية "الشيخ عثمان" ونهب كمية كبيرة من الذهب بعد قتل صاحب المحل بالرصاص الحي، أمام ذهول أعين من المواطنين، كما تعرض مواطن يملك سيارة (تاكسي) في مديرية "المنصورة" يدعى "فتحي أحمد" لعملية تقطع مسلح من قبل 4 مسلحين، أطلقوا الرصاص على إطارات عربته وقاموا بسرقة 800 ألف ريال من مرافقه، بالإضافة إلى مقتل مواطن يدعى "مسعد معكر" وإصابة أبن عمه على أرضية تم البسط عليها في مديرية "المنصورة" وتطور النزاع إلى استخدام السلاح الحي بين المتخاصمين، تلاها مصرع تاجر خضروات وإصابة 3 مواطنين بجروح خطيرة، بعد أن تم اعتراضهم من قبل مسلحون في مديرية "دارسعد" قاموا بنهب سيارتهم أثناء قيامهم بنقل الخضروات إلى سوق المدينة، وأخيراً قيام مجموعة مسلحة من الشباب باقتحام مصنع "الغسل والنسيج" في منطقة "القاهرة" وقتل حارس المصنع ويدعى "صديق" بأربعين طلقة في جسده، وسرقة معدات المصنع، ناهيك عن بعض الجرائم والتقطعات الخطيرة التي لم يجري تسجيلها في البلاغات الرسمية.

كل ذلك حدث في نطاق محافظة عدن التي مازالت تعيش في ظل حالة انفلات أمني خطير سمح بتزايد أعمال القتل وجرائم السطو المسلح، بعد أن أسهم ذلك الانفلات في انتشار السلاح بين أيدي الشباب العاطلين عن العمل، في ظاهرة لم تكن مألوفة في المحافظة، من حيث مستوى الجرأة والقدرة والتنظيم في استخدام أدوات تنفيذها، دون أن يكون للأجهزة الأمنية دوراً بارزاً في حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم الخاصة.

جهود أمنية ضعيفة في مكافحة ظاهرة حمل السلاح بعدن.

حتى الآن عجزت الدوائر الرسمية والفعاليات السياسية والمدنية عن تشكيل مجالس تنسيق وتفاهم فيما بينها، لمكافحة ظاهرة حمل السلاح في شوارع مدينة عدن، وكذا فشلها في مواجهة التحديات المعيشية والأمنية والاجتماعية، وهو أمر يثير الاستغراب والريبة.

خصوصاً وأن ظاهرة انتشار السلاح والعبث به بين يدي الشباب والمراهقين، أضحت من الصور المألوفة التي لم تحرك إزائها الأجهزة الأمنية ساكن في التصدي لوقف التصرفات الطائشة التي يعمد إليها المسلحين في إطلاق الأعيرة النارية وسط الأحياء والحارات السكنية، وبمزاجية سمجة تهدف إلى ترويع الأسر الآمنة في منازلها، وإقلاق سكينة المجتمع الآمن والمستقر في عدن، على الرغم من الخطة الأمنية التي وضعها أعضاء السلطة المحلية والمكاتب التنفيذية والأمنية بالمحافظة، مع مختلف الفعاليات السياسية والأعضاء المنتمين بمختلف مشاربهم للأحزاب والتكتلات السياسية بهدف تخفيف حدة الاحتقان السائد بينها، وأخذ الوعود بشأن عدم تلويح الأخر بندقيته حيال الأخر، تمهيداً لإنهاء ظاهرة انتشار السلاح في شوارع المدينة، ومعالجة قضايا الأمن والإشكاليات الاجتماعية.

غير أن جهود السلطة المحلية والأجهزة الأمنية لم تفلح في تنفيذ خطتها، تاركة علامة سؤال كبيرة لدى أذهان عامة المواطنين، عن عدم تفاعل الأجهزة الأمنية في ملاحقة المسلحين ومصادرة أسلحتهم، والعمل على ترسيخ القانون والنظام وترجمة رؤية المحافظة في تفعيل جهود جميع المؤسسات والمرافق والمجالس الأهلية، ودفعها باتجاه إعادة أوضاع المحافظة إلى ما كانت عليه في سابق عهدها، ودون الاستجابة إلى أعمال الابتزاز أو الرضوخ لوسائل العنف والقوة من قبل أطراف أو أشخاص مارقون يحاولون إثبات كيانهم عبر اللجوء إلى السلاح.

لهذا فأن إشكالية اقتناء السلاح في عدن، ومشاهدة المجاميع الشابة وهي تتجول مسلحة في أسواق وشوارع ظلت لسنوات طويلة تتمتع بخصائص ونموذج المجتمع المدني المتحضر، ستظل واحدة من القضايا المعيقة على تحقيق وعود بناء الدولة المدنية الحديثة التي ثار لأجلها الشباب في الساحات، ودفعوا أرواحهم زهيدة في سبيل غايتها.

وهي إشكالية ستزيد أيضاً من مستوى تعقيدات الوضع الأمني، والذي بغيابه سيجعل من مظاهر حمل السلاح وتفشيه في شوارع المدينة مقدمة لسيناريو محتمل من صدام وصراع دموي قادم بين الأطراف المتنازعة، تستشري معه مظاهر العنف والفوضى والتقطع والسطو المسلح إلى مستوى يصعب السيطرة عليه.

أسواق سوداء في "عدن" ازدهرت فيها تاجرة السلاح.

أسهمت المعارك الدائرة في محافظة أبين بين القوات الحكومية ومقاتلي "القاعدة" إلى حد واسع وملحوظ إلى ازدهار السوق السوداء في محافظة عدن، التي كانت تقتصر أنشطة العاملين فيها على بيع المعدات والأجهزة والمقتنيات المنزلية المستهلكة، وتوسعت دوائر أنشطتها مع زيادة المعدات والأجهزة والمعادن المنهوبة من مقار ومنازل المواطنين في محافظة أبين، والاتجار بالمؤن والمخصصات المتعلقة بالنازحين الفارين وبيعها بأسعار تعادل نصف أسعارها الحقيقية.

بيد أن المسألة تطورت خلال ألازمة السياسية وانفلات الأوضاع الأمنية في عدن، إلى مستوى قيام بعض العاملين في الأسواق السوداء إلى رفع حجم تجارتهم المتواضعة إلى بيع بعض أنواع من الأسلحة المهربة من أبين، وبصورة غير مباشرة عبر وسطاء محليين، ومن أبرز الأسواق في محافظة عدن التي ازدهرت فيها خلسة تجارة بيع الأسلحة ومتعلقاتها من الذخائر الحية، سوق "الشيخ عثمان" لبيع السلع والمعدات المستهلكة والقديمة، الذي كانت تتم فيه عقد صفقات مستمرة لبيع قطع أسلحة فردية مختلفة المنشأ وبقايا من مواد متفجرة، منها أسلحة وآليات رشاشة ومسدسات صغيرة أمريكية وروسية الصنع، وتتم عملية التسليم في زوايا الشوارع والأزقة العامة أثناء وضح النهار لروادها من المشترين من فئات المشائخ ورجال قبائل والشخصيات التجارية.

ويبلغ معدل سعر قطعة السلاح من نوع (تاتا) من 60 إلى 70 ألف ريال، وسعر السلاح الآلي ما بين 150 إلى 200 ألف ريال، وسعر الرصاصة الواحدة كانت تباع بسعر زهيد 50 ريالاً، والقنبلة اليدوية الواحدة ما بين 3000 إلى 5000 ألف ريالاً، دون أن تكون هناك رقابة أو مساءلة أمنية أو تنظيم حملات تفتيش ومداهمة لنقاط البيع التي كانت تتم فيها عملية الترويج لتلكم الأسلحة أمام مرأى ومسمع رواد السوق.

تقاليد حمل السلاح في اليمن من المعوقات التي تعيق بناء الدولة المدنية.

تشير الإحصائيات التقديرية بحسب المصادر المستقلة، إلى ارتفاع نسبة انتشار السلاح في اليمن مع اندلاع الثورة الشبابية في مطلع فبراير العام الماضي، وبروز الأزمة السياسية بين رموز السلطة والمعارضة في صنعاء من نحو 60 مليون قطعة سلاح إلى 68 مليون قطعة سلاح، منها 11 مليون في متناول المواطنين ورجال القبائل الذين يعتبرونها أسلحة شخصية في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 21 مليون نسمة، وتشهد فيه اضطرابات وصراعات داخلية مختلفة، ومؤشرات مضطردة من الأمية والفاقة والبطالة، وغيرها من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويرجع أسباب ارتفاع معدل ولوج السلاح إلى اليمن بوسائل قانونية وأخرى غير قانونية بواسطة التهريب الذي توسعت دائرته خلال الخمس السنوات الأخيرة عبر المنافذ والحدود البرية والبحرية بسبب غياب أنظمة رقابية شديدة، وذلك للاتجار بها في أسواق محلية تتواجد في الكثير من المناطق الشمالية الخاضعة تحت سيطرة نفوذ رجال القبائل الذين يعتبرون وحمل السلاح موروث اجتماعي وجزء من التقاليد والوجاهة القبلية، حيث يباع ويشترى فيها السلاح جهراً تحت علم ودراية الدولة المركزية، ولا تقتصر تلكم الأسواق على بيع الأسلحة التقليدية البسيطة، ولكنها تعدت إلى بيع أنواع مختلفة من الأسلحة المتوسطة، وغيرها من القنابل والألغام والمتفجرات وسلاح ال RBG والأطقم العسكرية كما حدث سابقاً في حروب صعدة ولاحقاً في محافظة أبين.

والحديث عن الجهات التي تتولى عملية تهريب السلاح والاتجار به داخل الأراضي اليمنية، تعد من المسائل المحظورة في عملية البحث والتدقيق بسبب ارتباط تجارها مباشرة بمراكز القوى السياسية الحاكمة وعلاقتهم بنفوذ المشائخ القبليين الذين يهيمنون على زمام مناطقهم وتجمعاتهم التي يغيب عنها نفوذ وسيطرة مؤسسات الدولة المركزية، لاسيما عند تلكم القبائل التي تكن ولائها للسلطة الحاكمة أو للنخب المؤثرة على صناعة القرار السياسي، وتحتفظ بمخزون كبير من الأسلحة البسيطة والمتوسطة، ما أسهم استشراء السلاح في بلد نامي كاليمن تنعدم فيها قوانين تحضر حمل السلاح فيه، إلى تأجيج الكثير من الأزمات والصراعات القبلية والمناطقية والاجتماعية.

ولاشك إن إشكالية تواجد السلاح وانتشاره على نحو كثيف في القرى والمناطق العشائرية التي أوصلته إلى مرحلة التجول والتظاهر به داخل المدن الرئيسية، واحدة من المعضلات الحقيقية التي ستعيق مسألة بناء الدولة المدنية الحديثة في مجتمع لازالت تركيبته وطبقاته تتألف من قبائل وعشائر ارتبطت ثقافتها أن مفهوم اقتناء السلاح والتباهي به في الأعراس والمباهج السياسية والاجتماعية جزء من الأعراف والتراث الشعبي المتوارث، وفي ظل هيمنة معظم مشائخ القبائل على مقررات مجلس النواب الذي فشل حتى اللحظة من إقرار قانون حظر حمل السلاح والولوج والاستعلاء به في حدود ومساحات العواصم والمدن الرئيسية.
بالتزامن مع خليج عدن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.