لن أجانب الصواب إذا قلت إن الأخطار المحتملة من فشل الحوار الوطني أقل من تلك المحتملة من نجاحه، ذلك أن الفشل يعيد قوى الصراع إلى المربع الأول ويحمل معه فرصة متاحة لتسوية جديدة، أما النجاح فينقل الجميع إلى أرضية أخرى، ويقيم عليها صراعات غير معلومة أو محكومة بقواعد أو حدود. ومما يضاعف من الأخطار المحتملة في نتائج الحوار الوطني أن الفشل غير متوقع والنجاح كذلك، وبالتالي لا تملك القوى المشاركة في الحوار تصورات للتعامل مع أي الاحتمالين وما يترتب عليهما في الحاضر والمستقبل، ولم نقارب التفكير في بدائل الفشل أو تحديات النجاح، والوضع برمته، متروك للدول الراعية للعملية الانتقالية دون أن نعرف، ناهيك أن نعي وندرك ماهية أو كيفية نجاح أو فشل مؤتمر الحوار. نذهب أن مؤتمر الحوار فشل في التوافق على شكل الدولة المنشودة، فإن المخاطر المحتملة تذهب بنا إلى فوضى الانهيار وجحيم صراعاته الدموية، فإذا نجح المؤتمر في التوافق على دولة اتحادية بين إقليمين أو على عدة أقاليم، فإن الانتقال إلى هذه الدولة يفتح الباب لمخاطر محتملة في الصراع بين قوى القديم، و بين الجديد على خلفية ما يتطلبه الانتقال من تقسيم إداري جديد، وشرعنة العلاقة بين المركز والأقاليم، وتقسيم الثروة الوطنية، وتنمية الأقاليم المهمشة والمحرومة، وغير ذلك من شئون بناء الدولة الاتحادية. وفي نجاح مؤتمر الحوار أيضاً، تنتهي مرحلة انتقال السلطة سلمياً، وتبدأ مرحلة أخرى بانتخابات نيابية ورئاسية، لكن نجاح الحوار يعني أنه قدم مشروعاً وطنياً لتجاوز ملفات الأزمة وبناء الدولة ومؤسساتها المحلية والمركزية وهو أمرٌ يتطلب توافقاً على التنفيذ وشراكة في مهامه، الأمر الذي يضعنا أمام مخاطر محتملة من تفجر أزمة مترتبة على الانتخابات ونتائجها، شبيهة بالأزمة التي صنعتها نتائج انتخابات 1993م، وما عرف عنها من استقواء بالأغلبية العددية في البرلمان المنتخب. إن البحث في مآلات الحوار تقتضي عقلانية ومسئولية في التعامل مع احتمالات الفشل والنجاح، والاستعداد لكل احتمال بما يتطلبه من بدائل أو تصورات قادرة على مواجهة التحديات واستباقها بعمل مؤسس على المعرفة ومتسلح بوعي وطني وإدراك عقلاني يحررنا من وهم التفاؤل ويأس التشاؤم ويضع إرادتنا بين أيدينا القادرة. رابط المقال على الفيس بوك