المياه والسياسة..كلٌ منهما غرق,وأغرق الآخر..ومعهما سحبا المواطن اليمني, نحو متاهة الهم اليومي, والغم والهرم ,الذي يقتحم الأحياء والمديريات,ويغزو الناس في المحافظات..فيشيخون قبل الفجر,ويقومون الليل حتى انتصاف السّحَر من شدة الروع,لا من شدة الورع..ومن قسوة الظمأ,وجفاف المنازل.. لقد تحوّل “العيال” خلال العام الدراسي المنقضي,عن مدارسهم إلى المسارب في بيوت الميسورين..وتناثروا زرافات ووحداناً شطر أيّ مصدر لجلب المياه يومياً..في مشهد يحاكي,ويقترب من معاناة العطش التي تمر بها المناطق المنكوبة في جنوب السودان,والصومال.. في معظم فصول السنة,تتناسخ فصول المكابدة التي ظل الناس في أريافنا وقراها يعتمدون على الحمير والبغال لحمل “ الدبب والأتناك” المملوءة بالمياه المجلوبة من مدارب السيول,والسواقي ..أو من الغيول,التي غارت مياهها ,وبلعتها الأرض,غضباً من بني آدم ..الذين لم يرعوا نعمة الله عليهم..فهم يسرفون,ويهدرون الثروة المائية ,دون نظام ,ولانظافة وبلا حدود,أو حفاظ على أسّ الحياة وإكسيرها. إن الفوضى العبثية,تحكمت,واستحكمت,فكان العقاب من جنس العمل..فالإسراف في استخدام المياه أيام الرخاء..ومثله التفريط بالملايين من اللترات التي جاد بها رب السماء في مواسم الأمطار على البشر والشجر والحجر وكل من دب على الأرض قاد الوضع في بلادنا إلى الجفاف..وهي نتيجة طبيعية للعبث والإهدار,والتنافس على استثمار منابع المياه,بين طلاب الثراء,وبلوغ مرتبة الملياردير في زمن قياسي!!. المشائخ في الأرياف البعيدة عن قبضة الدولة,لايتورعون عن مد الأنابيب والمضخات التي يمكنها استقصاء آثار الغيول المغمورة,في مجاري السيول,وحصر المياه أحياناً في سدود صغيرة ,وشفطها إلى قصورهم,المسماة غالباً “دار الشيخ”.. فالمياه تروي مزارع قاتهم,وحقولهم من الحبوب والأشجار المثمرة,وأشجار الزينة..أما الرّعية فيكدُّ كل واحد منهم بحماره,أو بغلته ,أو جمله,أو على قدميه لجلب المياه للشرب,والمستعملة لسائر حاجاتهم الحياتية اليومية.. إلى اليوم مازالت معظم القرى والأرياف تئن من الآلام..إذ تحمل البنات وأمهاتهن«دبب الماء» لتوفير اللترات المطلوبة منها منذ طلة الفجر الى غروب الشمس..وهكذا دواليك..فيما المشائخ يشفطونها يومياً..ولديهم من احتياطي المياه في خزاناتهم الأرضية,وسدودهم مايكفي مناطقهم ,التي يعيشون فيها..فلا قانون دولة يحكمهم..ولا وازع ديني أو إنساني يردعهم.. تلك المعاناة بكل صورها المتنوعة..حلت في المدن الرئيسة,وصارت تشكل أزمة مياه تقض مضاجع المواطنين,وتبعث في النفوس الآلام..وتنعكس على أحوالهم هماً وغماً يتضاعف يوماً فيوماً.. السياسة أغرقت البسطاء والنبلاء والدهماء في محيطها اللُّجّي..فانتعشت قضية النزاع على مصادر المياه في جبل صبر بتعز..وانبعثت معها المتاريس..وانتفضت ثورة البوازيك والمعدلات,في منطقتي التنازع على المياه«قراضة والمرزح» في مشهد يومي دامٍ..يعلو فيه أزيز الرصاص..والكلمة الفصل فيه لقناصة الأرواح,عوضاً عن قناصة الحكمة,ولغة أولي البأس الشديد على أرباب النهى, من العقال وأولي الألباب في قراضة والمرزح. صارت تعزالمدينة تتابع مسلسل«قيح قاح..دوم دبوم»..ونزع الأرواح..وكأنهم يشاهدون مناورات استعراضية بالأسلحة الثقيلة..!! لقد أصاب من قال: ياماحلى الحرب عند المتفرجين..الجميع يتفرج..من رئاسة الدولة الى رئاسة الحكومة ووزرائها..واختتاماً بالمحافظة ومجلسها المحلي.. إن الدماء التي تسيل في قراضة والمرزح يتحمل وزرها ويتسبب بها السياسيون ممن يستثمرون الوضع الملتهب..ويمدون المتنازعين بالسلاح لتحقيق مكاسب سياسية في مذبح المياه,التي ستتعرض قريباً للنزف,أو تغور في الأرض عقاباً سماوياً لأبناء المنطقتين ,وغضباً إلهياً على المتقاعسين والرافضين لتحكيم العقل والأخوة والجورة وتقاسم المياه بما يتوصل إليه حكماء قراضة والمرزح .. إن الحكم الشرعي موجود في سورة الحجرات التي أوضح الله فيها أن الفئتين المؤمنتين المتنازعتين يتم إلزام الباغية منها بالدخول في صلح ومن ترفض يتم إلزامها بالقوة ,ولو استدعى ذلك على الدولة استخدام القوة لتعود وتلتزم..فأين القوة التنفيذية لماذا لاتتحرك؟!..وأين دور قيادة المحافظة؟! لماذا تتوانى عن حسم القضية بين المتقاتلين؟!..ثم ألا يمكن اللجوء الى وسائل أخرى عبر التدخل من المناطق الأخرى بالضغط على المتنازعين لإيقاف حمام الدم ..من خلال محاصرتهما ومنعهما من الاستفادة من الطرقات وإيقاف وسائل النقل عليهما لردعهما بدلاً من الاكتفاء بالفرجة والمشاهدة وكأنهم يسينموا على فيلم غربي مليء بالأكشن والقتل العبثي. رابط المقال على الفيس بوك