لأن الدين الإسلامي هو دين العقل والمنطق، فهو يخاطب الفكر والوجدان، ينظم حياة البشر، فيحقق المساواة والعدالة، يطلق العنان للإبداع والابتكار، يشجع التنافس على فعل الخير، يحث على التضامن والتكافل، يحارب الشر والظلم.. وكذلك تفعل بقية الأديان السماوية التي تشترك معاً في الدعوة إلى الفضيلة ونبذ الرذيلة.. غير أننا كمسلمين نصر بكثير من الاعتزاز على تأكيد المزايا الكبرى لديننا، ويحق لنا أن نعتز، ومن واجبنا أن نقف ضد كل من يسيء إليه بنفس القدر، الذي يدعونا فيه ديننا إلى احترام الديانات الأخرى، فهذه أخلاق الإسلام، التي تميز المسلمين عن غيرهم في تعاملهم مع بعضهم، وفي تعاملهم مع الآخر.. هكذا نحن وهذا ما يدعو إليه ديننا الحنيف الذي يحرر العقل، ويقدر الإبداع.. فيعطي كل عنصر من عناصر المجتمع (أفراداً، وجماعات منظمة وغير منظمة) حرية واسعه للتنافس على تقديم الأفضل، بما يخدم الصالح العام.. دين بهذا القدر من المثالية والكمال، يحمل في داخله مقومات الاحترام والتقديس لمبادئه وأحكامه، ما يفرض على من يعتنقه ومن لا يعتنقه الاحترام والتقدير.. إنه يجعل من تحكيم العقل طريقاً للوصول إلى حالة اليقين بالله، وكتبه، ورسله، وبالقضاء والقدر خيره وشره.. وهو من الاتساع بحيث لا يقبل أي شكل من أشكال مصادر حرية الإنسان في البحث العلمي والابتكار والإبداع، سواء في مجالات العلوم الطبيعية التطبيقية، أو العلوم النظرية ( الأدبية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية ).. ذلك الاتساع الذي تتلاشى معه أية محاولة للتوظيف السياسي للإسلام، في إظهار الإسلام كما لو أنه حكر على طرف سياسي دون غيره، في مجتمع يدين بالإسلام.. ومن ثم فإن مثل هذا المفهوم يرفض جملة وتفصيلاً الرؤى التي تحاول تقسيم المجتمع (إلى فئات مسلمة، وفئات متأسلمة) ، مثل هذه الرؤى نفسها تحمل في طياتها شكلاً من أشكال التكفير الواسع، الذي يمتد ليشمل قطاعات واسعة في المجتمع.. فضلاً عما تشكله من بيئة سلبية تغذي نزعات التطرف والإرهاب، والخلافات المذهبية.. إدراكاً لخطورة وحساسية الاستخدام الخاطئ لمكانة الدين في وجدان المجتمع، وعاطفة المسلمين تجاه دينهم.. فان كثيراً من الدول الإسلامية شكلت ( هيئات، مجالس، دور للإفتاء ) من كوكبة من العلماء المشهود لهم بالنزاهة والخبرة، والمعرفة بأحكام وتعاليم الشريعة الإسلامية، يمتلكون مؤهلات عالية تعطيهم الحق كمؤسسة لإصدار الأحكام والفتاوى ).. وجود مثل هذه المؤسسات المتخصصة في قطع الطريق أمام الاجتهادات، والاستخدامات الخاطئة للدين في إصدار فتاوى لأهداف سياسية، أو أي أهداف للأضرار بأفراد أو منظمات، أو لتحقيق مصالح لأشخاص ومنظمات أخرى.. ومن أخطر تلك الفتاوى فتاوى التكفير، التي عادة ما تصاحبها تهم جاهزة بالارتداد عن الإسلام.. وقد تابعنا العديد من تلك الفتاوى التي تصدر بين وقت وآخر، سواء في شكل فتاوى تكفيرية موجهة ضد أحزاب مثل تلك التي صدرت ضد الحزب الاشتراكي، أو ما فسرها البعض بأنها صدرت ضد أبناء الجنوب منتصف التسعينات.. أو تلك الفتاوى التي صدرت ضمن بيان منسوب للمجلس الأعلى لعلماء اليمن قبل انطلاق أعمال مؤتمر الحوار الوطني، والذي تضمن تكفيراً لأطراف متعددة في اللجنة الفنية للحوار، ولقيادة البلاد.. فضلاً عن كثير من الفتاوى التي تصدر بين وقت وآخر ضد مفكرين، أدباء، سياسيين، نتيجة أعمال فكرية، أو أدبية، أو تفسيرات للرأي. إذن إطلاق تهم وفتاوى التكفير بصرف النظر، ممن تصدر أو ضد من يجب أن يتوقف فوراً.. وليتحقق ذلك في الواقع يجب إنهاء الفراغ القائم والناتج عن غياب مؤسسة رسمية معنية بالإفتاء، نيابة عن المجتمع.. ومن ثم إصدار قانون يجرم التكفير، ويحرم على أي طرف أياً كان الإساءة لأية طرف أو فرد باسم الدين. تشكيل مجلس للإفتاء من خيرة علماء الدين المتخصصين بالشئون الإسلامية، والمعروفين بالخبرة والنزاهة والتأهيل العالي .. وإصدار قرار جمهوري بتعيينهم واختصاصاتهم كمؤسسة، إلى جانب إصدار قانون يجرم التكفير، هو الحل المناسب لإنهاء الاستخدامات الخاطئة للدين، لأغراض سياسية أو حزبية أو شخصية ضيقة.. بنفس القدر الذي يوفر الحماية الكاملة للإسلام والديانات السماوية الأخرى من أية إساءة أو ازدراء. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك