يا رب.. قولوها بأعلى صوت، لعل الله يرحمنا، لعله يغفر لنا ويرفع عنا غضبه ومقته، فما نعيشه إلا من حصاد ذنوبنا، فلا يعقل أن وضعنا في هذه البلاد يصل إلى هذا الحد بدون ذنوب، وذنوب كبيرة لابد أن نعاقب عليها في الدنيا أولاً.. فمن يصدق ما رأيت هناك، حين مالا يستطيع المرء بكل قوته وصبره أن يصمد، فالناس مكدسون كل واحد يحمل وجعاً أكبر من أن يتحمله لو كان جبلاً من جبال الأرض، وإلى هناك ساقني قدري لأدخل طفلة بعمر ال6 الأشهر و20يوماً، لأدخلها حضانة لتعيش لأقف بباب الحضانة أترجاهم وأتوسل إليهم أن ينظفوا المكان فقط، أن يجيب عليّ أحد، أن يفهموا أن ما بين يدي بشر، وأن أم تلك الطفلة ترقد في مستشفى آخر تنتظر خبراً بأن تلك الطفلة ستعيش، ونحتاج لوساطة لنعطى حضانة، ونحتاج لممرضة تفهمنا، وعلى الرغم من تفاني الطبيب، واحترامي لكثير من أطبائنا لكن لا جدوى، هم كمن ينفخ في رماد. رماد.. رماد يتحول البشر هناك لرماد.. فهل تصدقون أن صاحب المختبر يرفض أخذ عينة الدم وأقف أمامه متبلدة، وأضع بين يديه ما عليّ من ذهب فقط ليأخذ الدم حتى ترسل لنا فلوس الفحوصات والأدوية فيرفض، لتموت الطفلة بحالة تسمم، وأموت كمداً، ويموت مثلي مئات من الناس، فأين نلوذ من هذه المآسي والأوجاع في هذه البلاد التي حلت على أهلها لعنة بعد لعنة، أنا لا أتحدث عن مصيبة مررت بها لوحدي، فما رأيته في ذلك المستشفى الحكومي، كنت فيه أخف ضرراً من كل أولئك النساء في عنبر الولادة كأضاحي يوم العيد، مع احترامي لكل خراف العيد فهي أرقى حالاً بكثير، والدكتورة تمر وكأنها أمام مسرحية لعادل إمام، وكأن الدنيا بخير، ويدخل الجميع الحضانات الخاصة بالخدج بدون حتى صابون، كنت أسمع بكاء الطفلة، وأشعر بشيء يذبحني.. يسحقني وأنا عاجزة عن أي شيء سوى الذهول، والموت وأنا واقفة في ردهة المستشفى التي إن وقفت فيها امرأة حتى وهي تحتضر فلن تسلم من نظرة أو دكمة أو كلمة. أين نذهب بأوجاعنا في هذا الوطن، الذي يعيش فيه الصومالي حياة أرقى من حياتنا، كان رجل فقير ممزقة ثيابه يهرع بطفله المحروق وهو يترجى أن يؤتى له بعربة، بشيء يوصل ولده إلى غرفة ليراه أحد، الجميع ينظر إليه ببرود وعناء وقذارة، يصرخ.. ويصرخ ويأتي الممرض المتبلد أخيراً بسرير مكسور، ويوقف حتى يدفع سنداً، وتؤخذ بياناته التي قد نسيها من هول ما هو فيه، فأين نرحل أين؟! وإن هربنا للمستشفيات الخاصة، التي يحسبون فيها حتى الهواء والسلالم والتفكير بفلوس، سرقنا ونهبنا، وخرجنا بألف علة، زوروا المستشفيات واكتبوا عنها بدلاً من المهاترات التي أوصلتنا لما نحن عليه، يا ناس تعبنا ومتنا وهم يتحاوروا بس.. اسكتوا وربي يذيقكم ما نذوق بأولادكم وأبدانكم.