بعض المواقف تشعرك بأن النخب التي يعوّل عليها في تخفيف المعاناة عن هذا المجتمع يتبلّد إحساسها وتجف في دخائلها العواطف وتختلط في رأسها الأفكار, سواء تلك النخب التي تملك السلطة أو تلك التي بيدها المال .. حين تلامس ذلك - وأنت المواطن البسيط الذي لا يملك السلطة ولا المال – تزداد معرفتك بهذا الواقع الذي تعيشه وتعيد النظر في رفضك لمقولة: إن الزمن لا يأتي بخير.طيلة شهر كامل ظل الإعلام يردد علينا خبر ولادة طفلين متلاصقين لأبوين من أبناء الحديدة, وظل ينشر صورهما وهما في تلك الحال التي تذوب لها الصخور رهبةً من الخالق وإيمانًا بقدرته سبحانه, فكيف بإنسان مسلم له قلب وعقل يخشع بهما لعظمة ربه, لاسيما إذا كان هذا الإنسان يمتلك المال أو السلطة واتخاذ القرار الذي يستطيع به أن يكون سببًا في إنقاذ حياة مولودين متلاصقين, لم يختارا هذه الوضعية في المجيء إلى الدنيا وإنما هي مشيئة الله وإرادته. نحن نعرف جميعًا أن هذا النوع من الولادات نادر الحدوث, ولا مجال لأن يقول مسؤولونا: (كثر المتلاصقون), لكن هذين الطفلين ظلا شهرًا في مستشفى الثورة بصنعاء بانتظار تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية الذي أدى ما عليه ووجه الحكومة بتسفيرهما إلى الخارج في أقرب وقت لإجراء عملية الفصل إنقاذًا لحياتهما, فظلت وزارة الصحة – الوزارة الفقيرة والمعدمة!! – صامتة بعد أن رفض وزير الصحة السعودي أعطاءهما منحة علاجية, وظل الطفلان على حالهما حتى توفي أحدهما, فقام مستشفى الثورة ليجرب حظه في عملية الفصل وإنقاذ الطفل الآخر (فربما تسبر!!) ولكن حدث أن توفي الطفل الثاني, وانتهى الأمر. فلماذا إذن عجزت حكومتنا عن إنقاذهما.. ما الذي كان سيحدث يا حكومتنا لو أنكِ خصصتِ عشرين أو ثلاثين ألف دولار لتسفيرهما على الفور إلى أية دولة متقدمة في الطب ليعودا منفصلين ويشعر وزراؤنا بالسعادة وهم يصنعون الحياة لمولودين يمنيين في زمن الثورة الشبابية .. ما الذي كان سيحدث يا بيت مال اليمنيين .. هل سيتأثر احتياطنا النقدي أو سيعلن البنك المركزي إفلاسه؟ .. أنا أعرف أن الأستاذ صخر الوجيه أوقف كثيرًا من حنفيات الصرف غير القانوني, وهذا شيء يحسب له, لكن لماذا يتغاضى المال العام وثرواتنا الوطنية عن موقف إنساني حساس ينبغي أن يحضر فيه أصحاب القرار بسرعة لصناعة البسمة في وجه أم بائسة .. عشرة آلاف دولار أو عشرون ألفًا أو ثلاثون أو أكثر لتسفير إلى الخارج لا تساوي شيئًا أمام تلك النفقات المهولة والبنود التي يتم صرفها بالحق وبالباطل لهذه أو تلك من الجهات الحكومية التي تعودت أن تأخذ ولا تنتج.. والله ليسألنكم الله عن هذين الطفلين يا وزراء حكومة الوفاق؟ إنهما طفلان متلاصقان لا بغلة عثرت لأنكم لم تمهدوا لها الطريق !! هل ضاقت الحياة عليكما يا وزيري الصحة والمالية من محاولة إنقاذ طفلين متلاصقين في حالة يندر أن تتكرر؟ إذا جزمتما بأن الظروف لا تسمح كما يقول مسؤولونا دائمًا؛ فهل عجز مجلسكم الموقر عن أن يوجد آلية يقتطع فيها مبالغ من نثرياتكم لصالح ذلكما الطفلين, وهل عجز مجلس نوابنا عن مثل ذلك, ومثلهما مجلس الحوار الوطني, لماذا لا تصنعون كلكم القدوة للناس بفعل ما هو إيجابي, لاسيما أنكم تستطيعون مهما كانت العوائق .. أنتم نخب تقود المجتمع, وإذا لم تكونوا على قدر من الإحساس بمعاناة البسطاء؛ فهذا يعني أنكم أنانيون مشغولون بذواتكم ولا تمثلون شعبًا يعاني من الفقر والمرض. أتدرون؟, والله ما كنت لأحتج على الجهات الحكومية لو لم نكن في زمن التغيير الذي نتطلع فيه إلى مسؤولين يقتربون من الناس ويشاركونهم الهموم .. إذا لم يكن كبار مسؤولينا اليوم أرق قلوبًا وأكثر إنسانية فعلى الدنيا السلام .. كنتُ أحب أن يتدخل دولة رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة لإنقاذ هذين الطفلين, فهو الرجل الذي لا يختلف على إنسانيته اثنان, لكن لا أدري لماذا غاب صوته عن هذه الحالة المرضية النادرة. حتى رجال الخير من رؤوس الأموال تركوا هذين الطفلين يموتان بدون أن يحركوا ساكنًا وقد كان بإمكان أحدهم أن يتكفل فوريًا بقيمة عملية الفصل في أرقى مستشفى ألماني.. أين ذهب رجال الأعمال الذي أعرف أنهم قد تذوقوا معنى السعادة الحقيقية وهم يصنعون الخير للناس, ينقذون المريض ويقيلون العاثر ويعينون المحتاج. أنتم تعرفون يا كبار مسؤولينا ويا كبار تجارنا أن الدنيا لا تساوي شيئًا, وأن (المال غادٍ ورائحٌ ويبقى من المالِ الأحاديثُ والذِّكرُ) كما قال حاتم الطائي, فليس هناك أطيب ولا أجمل ولا أريح للضمير من أن تنقذ إنسانًا يُشرف على الموت, فكيف إذا كان طفلاً في وضعية كهذه يريد أن يعيش الحياة, وجئتَ أنت لتكون سببًا في إنقاذ حياته وتحريره من هذه الإعاقة ليتحرك بعدها مثل غيره من الأطفال ويلعب معهم كما يلعبون .. هذه هي السعادة الحقيقية لمن يبحث عنها.. فلماذا تنفرون منها؟ [email protected] رابط المقال على الفيس بوك