هكذا سُمي شهر العبادة، لا يعني هذا أنه لا تكون العبادة إلا فيه، بل من باب الحث على أهمية العبادة فيه، وفضلها عن غيرها من الشهور، لذلك فعلى الإنسان أن ينصرف فيه للعبادة قدر استطاعته، ويجعل من ذلك سلوكاً لبعد الشهر أيضاً. لكن في واقعنا، يفهم الوضع من قبل الناس غير ذلك تماماً، فتجد نفسك تغوص في زحمة الشوارع والإعلانات والديون والقوائم التي يكتب فيها مما يأكل ومما لا يأكل، والمشاكل والهموم، كل ذلك لشراء حاجيات رمضان، التي تعتبر هي رمضان، وبدونه لن يأتي الشهر أبداً، فتأتي عروض التجار والإعلانات لتزيد الطين بلة، ولتحول ذلك الشهر من شهر العبادة لشهر النكادة، من شهر الصوم والتبتل والاستغفار وتحري الحلال وعمل الخير، إلى مجرد مطابخ للأكل فقط، وكأن هذا الشهر هو شهر عقاب على الناس سيحرمون فيه من الأكل والشرب، ولذلك عليهم الازدحام والتدين والبحث عنه بكل الشوارع والمعارض.. على الرغم أنه من المفترض أنه شهر للعبادة أن يخفف الناس من تناول الأطعمة والأشربة، ليستطيعوا الوقوف في الصلاة، وليقللوا من النوم، وليشدوا المئزر، ولينهلوا من القرآن قراءة وتفسيراً، وليقبلوا على أعمال الخير والطاعات لا على معارض المنتجات وأسواق القات. والأجدر من ذلك أيضاً أن يكون هذا الشهر بداية الأعمال الخيرة لا لطلبة الله، حيث يتحول رؤوساء الجمعيات إلى رجال أعمال فهم يستغلون الفقراء والمرضى والمساكين لجمع ما يمكنهم من تحقيق أحلامهم فهل هذا من قبيل العبادة، وهل هذا باب من أبواب الطاعة باستثناء من رحم الله، ومن يعملون بصدق الخير لكل المحتاجين، وذلك في شهر العبادة وغيره، فاتقوا الله في عباد الله، على الأقل في المرضى الفقراء، وفي رمضان بالذات. ولأنه شهر العبادة يفترض فيه أن يراجع الناس أنفسهم، من اغتصبوا أموال الفقراء والأيتام من أقرب الناس إليهم، ليطيروا بها فوق السحاب، وليشيدوا القصور والدور، وأصحاب الحق يموتون جوعاً وفقراً، ويعملون عند الناس أجراً ويذلون ويسحقون. ولأنه شهر العبادة يفترض أن يجلس الناس مع بعضهم ليتسامحوا وليصفوا قلوبهم وأرواحهم من الأحقاد والمشاكل والأكاذيب والأطماع، على مستوى الإخوة فيما بينهم، فيوجد إخوة لا يحدثون بعضهم منذ سنين، وأخوات لا تعرف إحداهن بيت الأخرى، وليجعلوا من هذا الشهر بداية لحياة جديدة، أساسها طاعة الله عز وجل، وترك كل ملذات الدنيا لأجل طاعة الله عز وجل. ولأنه شهر العبادة يفترض أن يتقي الله فينا التجار، ويعرفوا أن ربهم سيحاسبهم حساباً عسيراً، فهم يعتبرون رمضان والعيد مواسمهم للربح، ومواسم لهلاك الناس. بورك شهركم وأدعو لكل مكروب محروم في هذا الدنيا. رابط المقال على الفيس بوك