لم تعد قضية الفساد قضية محلية بل أصبحت قضية إقليمية وعربية ودولية، وكانت اليمن من أوائل الدول التي صادقت على الاتفاقية الدولية لمكافحة ظاهرة الفساد .. وذلك يمثل أحد أشكال التعاون الجاد .. وبالتالي لابد أن تسعى الدولة بجدية لتحقيق هذا الهدف لما يشكله من أهمية نظراً لتفاقم ظاهرة الفساد في اليمن وفي كثير من البلدان وما تزال حتى اللحظة في انتشار وازدياد .. والحقيقة أن التصدي للفساد ومحاربته يعتبر أمراً صعباً يتطلب جهوداً وإمكانات كبيرة لأنه نتاج لممارسات خاطئة ظلت تتكرر لفترات طويلة انعكست بشكل سلبي خطير على الوطن وأبنائه ، وشكلت خللاً تحول إلى ظاهرة خطيرة أسهمت في وجودها معظم شرائح المجتمع سواء بصورة مقصودة أو غير مقصودة .. وكان في الصدارة ذوي النفوس الضعيفة إلى جانب المتنفذين أصحاب الأساليب المتجددة في كل اختلال ومفسدة .. ولهذا يجب اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير للتصدي لهذه الظاهرة المذمومة .. أهمها تفعيل القانون الخاص بمكافحة الفساد الذي يكفل محاسبة مرتكبي جرائم الفساد وحماية الأموال العامة .. وقد حدد القانون عدداً من جرائم الفساد والإفساد تأتي في مقدمتها الجرائم التي تمس بالاقتصاد الوطني وبالوظيفة العامة أو المخلة بسير العدالة ، ورشوة الموظفين واختلاس الممتلكات .. وكذلك جرائم التزوير والتزييف والتهرب الجمركي أو الضريبي ، والغش والتلاعب في المناقصات والمزايدات .. كما يفترض تفعيل القوانين المتعلقة بنفس القضية .. كقانون غسل الأموال ، وقانون إقرار الذمة المالية وأيضاً قانون المناقصات والمزايدات ، وتلك قوانين بالغة الأهمية .. حيث تعزز من الجهود الرامية إلى مكافحة هذا الداء ، حيث ما تزال كما يبدو في إطار إثبات حسن النية .. حتى يتم تفعيلها وتطبيقها على أرض الواقع بصورة فعلية .. يضاف إلى ذلك ضرورة إنجاز العديد من الأنشطة المؤسسية والتوعوية المتعلقة بمكافحة الفساد وفي مقدمتها استكمال تطوير البناء المؤسسي للوحدات في سبيل تدعيم أنظمة الرقابة الداخلية .. وكذلك دعم وتطوير منظومة حماية المال العام من خلال تحديث التشريع الرقابي لجهاز الرقابة والمحاسبة وإيجاد آلية تنسيق مع الأجهزة القضائية .. تلك هي الإجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها لمواجهة كافة الاختلالات التي تقف عائقاً أمام حركة التطور والنهوض والبناء المؤسسي الحديث للدولة اليمنية .. ويفترض أن جميع تلك الضوابط كفيلة للحد من المظاهر المختلفة للاختلال ، ونتوقع بل ونطالب أن تدرج ضمن أجندة الإصلاحات الوطنية الضرورية .. وهنالك معالجات وإجراءات يجب تفعيلها وتطبيقها على مختلف المستويات بحزم وشدة .. أهمها التعاطي مع ظاهرة الفساد كقضية مجتمعية بعيدة عن التكريس الخاطئ والمزايدة .. وأن تعم عملية الإصلاح مختلف الأجهزة ذات الصلة سواء القضائية أو الرقابية ، والأجهزة العقابية أو التنفيذية .. وتفعيل الشراكة واكتمال التنسيق والتعاون المشترك بين الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والأجهزة القضائية .. وذلك لتتحقق فيما بينها العلاقة التكاملية .. وإلى جانب مواجهة هذه الظاهرة الممقوتة بمختلف الطرق وبشتى الأساليب يجب البحث عن أسبابها وأيضاً عن طرق معالجتها التي يفترض أن تتسم بالحكمة والعقلانية .. وللوقوف على بعض الأسباب المؤدية للفساد سنجد أن أهمها القصور الذي يعاني منه البناء المؤسسي للوحدات الحكومية .. وضعف أنظمة الرقابة الداخلية ، وغياب التوصيف الوظيفي وتداخل الاختصاصات ، بالإضافة إلى غياب المساءلة الإدارية .. وعدم تفعيل مجالس التأديب وضعف إجراءات الضبط ، وندرة وجود اللوائح التنظيمية. ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن مكافحة الفساد مسؤولية مشتركة ومهمة كل فرد في المجتمع ، ولابد أن تتضافر جميع الجهود الرسمية والشعبية للتصدي له وإيجاد استراتيجية واضحة في سبيل القضاء عليه فتلك مهمة وطنية .. وفي إطار الرقابة هنالك أهمية بالغة لتفعيلها باستمرار وبالأخص الرقابة السابقة .. يلي ذلك الرقابة المصاحبة للعمليات والإجراءات المتعلقة بالأموال والممتلكات العامة لتعقبها الرقابة اللاحقة .. وكذلك ضرورة تفعيل مبدأ الثواب والعقاب وتعزيز مبدأ الشفافية والعمل على معالجة الاختلالات وأسباب نمو الفساد ، وكذا تعزيز آليات كشف حالاته المختلفة .. وتشديد العقوبات حيال مرتكبي هذه الأفعال المنحرفة .. ولابد أن يبرز دور مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة هذه الآفة .. والعمل بجدية على رفع مستوى الوعي الجماهيري بما لهذه الظاهرة من آثار سيئة وتأثيرات سلبية على أوضاع المجتمع المعيشية .. ونستخلص أخيراً أن أول الطريق للقضاء على الفساد هو الوقاية منه واجتثاث أسبابه وآثاره التدميرية .. ولا شك أن عملية الإصلاح ليست مستحيلة ، ونجاحها مرهون بتوفر عنصرين أساسيين أولهما الإرادة والآخر الإخلاص أس الفضيلة ، وتلك هي القضية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك