مرّت بالأمس القريب الذكرى ال(61) لثورة 23 يوليو 52م، هذه الذكرى التي ستظل تشمخ عالياً في سماء العروبة كلها، لأنها حقاً مثلت إرادة الشعوب العربية التواقة إلى التحرّر والانعتاق من ربقة الهيمنة الاستعمارية آنذاك بقدر ما كان لها الريادة المثلى في أن تحرك مشاعر الجماهير العربية وتلهب حماسها الوطني القومي الإنساني في مواجهة قوى الاستعمار وعملائه بالمنطقة العربية.. ولذلك فقد كان لأولئك الضباط الأحرار في الكلية الحربية المصرية وعلى رأسهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وزملائه في مجلس قيادة الثورة من الاضطلاع بدورهم القومي التاريخي بعد أن بلغت الأمور في مصر إلى حد لا يطاق.من حيث التبعية لقوى الاستعمار والاستغلال لثروات الشعب المصري ومقدّراته الوطنية من أن يتبنوا خطوات عملية جريئة والقيام بثورتهم العظيمة ثورة يوليو.. والتي هزّت في ذلك الوقت أركان الطغاة والملوك.. وزعزعت عروشهم وأعادت الاعتبار لشعب مصر والشعوب العربية الأخرى والتي استجابت منذ اللحظات الأولى لأهداف ثورة يوليو.. والتعاطي معها بروح من المسؤولية الوطنية، على مستوى كل قطر عربي، باعتبارها ثورة تحرّرية وطنية قومية.. تحمل في مضامينها الأساسية التحرّر من الاستعمار وأعوانه، وبالتالي فقد كان لهذه المضامين الثورية التحرّرية من أن تشكل نقطة انطلاق حقيقية نحو خلق وعي وطني ثوري جماهيري لشعوبنا العربية التي كانت ترزح تحت الاحتلال الأجنبي، وأن تسهم وبشكل كبير في استيقاظ حماس تلك الجماهيري العربية التي كان لها أيضاً من استلهام مضامين وأهداف هذه الثورة العربية وأن تشمر عن سواعدها في مواجهة ومقارعة قوى الاستعمار والتي عملت وقتذاك بكل الإمكانات والوسائل لإجهاض ومقاومة تلك الثورات العربية؛ ولكنها لم تستطع لأن الشعوب العربية قد عانت كثيراً من الويلات واستفادت من التجارب والدروس الماضية وتشبعت أفكارها بالمفاهيم الثورية ولم تعد خائفة من مشاريع الاستعمار والتبعية؛ لكون وجود الطليعة أو الطلائع الوطنية ابان تلك الفترة الماضوية ممثلة بحركة التحرير الوطني العربي والتي لم تألو جهداً في سبيل تكوين أحزابها ومناهضة قوى الاستعمار وزبانيته هنا وهناك. وأمر كهذا هو ما أشعل رياح الثورة في كل مكان بالمنطقة العربية ومن ثم الانتصار لإرادة الجماهير العربية في الحرية والكرامة والعيش بأمن وأمان ودحر قوى الاستعمار وخروجه من المنطقة بشكل عام يجر أذيال الهزيمة والعار وراءه رغم الظروف التي واجهت المد الوطني التحرّري وكبحه من خلال المؤامرات الداخلية والخارجية ولكنها باءت بالفشل بقدر ما كان لهذه الثورات العربية وحركتها التحرّرية من الصمود مع جماهيرها ضد تلك المخططات الاستعمارية الامبريالية الصهيونية وردها على أعقابها والسير في تثبيت أنظمتها الوطنية العربية، والعمل على بناء قدرات الإنسان العربي والتوجه نحو التنمية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها وبالذات ثورة مصر يوليو عبدالناصر والتي بحق وحقيقة هي من كان لها أن تغيّر من وجه الخارطة السياسية على مستوى المنطقة العربية برمتها، وتعيد للإنسان العربي حريته وكرامته رغم الأوضاع التي شابت تلك المرحلة لأسباب وأخرى ولكنها مثّلت علامة بارزة وفارقة في مكانة عالية بقدر ما جعلته يمتلك قراره السياسي والاقتصادي دون تدخل أو وصاية عليه من الخارج بالنظر لما يجري حالياً لشعوبنا العربية وأقطارها دون استثناء والتي أضحت مهدّدة بالأخطار من كل جانب نتيجة لعدم استفادتها من الماضي البعيد أو حتى القريب عربياً وإقليمياً ودولياً، والعمل على وحدة الصف العربي دون انقسام، وهذا لن يتأتى إلا من خلال التوافق بين كل قوى السياسية والمجتمعية دون تهميش أو إقصاء للآخر حتى تكون هنالك رؤى متعددة ومتنوعة يمكن الاستفادة منها في بلورة معطيات الواقع العربي والتعاطي مع أوضاعه بصورة جلية واضحة لكي تخرج البلدان العربية مع هذا الإشكال الذي تعانيه اليوم لتتمكن في الأخير من إعادة صفوفها وبناء أوطانها بروح من المسؤولية الوطنية والتاريخية كما كانت عليه في السابق. رابط المقال على الفيس بوك