أمريكا: سنواصل ضرب الحوثيين ومن الصعب وصول البضائع إلى اليمن مع استمرار هجمات البحر الأحمر    نابولي يصدّ محاولات برشلونة لضم كفاراتسخيليا    الوزير البكري يناقش مع الحامد هموم أندية ومشاريع البنى التحتية بأبين    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    عقب العثور على الجثة .. شرطة حضرموت تكشف تفاصيل جريمة قتل بشعة بعد ضبط متهمين جدد .. وتحدد هوية الضحية (الاسم)    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    اتحاد كرة القدم يعلن عن إقامة معسكر داخلي للمنتخب الأول في سيئون    شاهد.. مقتل وإصابة أكثر من 20 شخصًا في حادث بشع بعمران .. الجثث ملقاة على الأرض والضحايا يصرخون (فيديو)    وزارة الداخلية تعلن ضبط متهم بمقاومة السلطات شرقي البلاد    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    شاهد ما الذي خرج من عمق الأرض في الحرم المدني عقب هطول الأمطار الغزيرة (فيديو)    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    مأرب.. رئيس مجلس القيادة يرأس اجتماعاً لقادة الجيش ويشيد بالجاهزية القتالية العالية    بينها الكريمي.. بنوك رئيسية ترفض نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن وتوجه ردًا حاسمًا للبنك المركزي (الأسماء)    قيادي حوثي يذبح زوجته بعد رفضها السماح لأطفاله بالذهاب للمراكز الصيفية في الجوف    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاض ثورة اشتعلت بمقتل لبوزة
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2009

الحديث عن الثورة حديث يتجدد.. لأنها منا ونحن منها ولولاها ماكان لمسار حياتنا المتحجر المنغلق أن يتغير نحو مزيد من التحول والانطلاق.. إنها تاريخ مشبع بروح المقاومة الوطنية.. فهي بدأت فكراً نهضوياً.. وعملاً ذهنياً ناجحاً.. ونشاطاً ثقافياً وأدبياً.. ومقاومة قيمية وأخلاقية..
من خلال هذه التناولة سنعرج على المقدمات التي أدت لقيام ثورة 14 أكتوبر 1963م.. فهي لم تكن وليدة اللحظة بل سبقتها أحداث عظام واستعدادات لم تأخذ حقها في كتب التاريخ ومراجعه..
سيطرة كولونيالية
تكتسب الثورة- أي ثورة- أهميتها من خلال عاملين اثنين.. حجم الإزاحة من التركة المثقلة للأنظمة السابقة التي يتحتم عليها إزالتها عن طريق تطور المجتمع والأهداف والآفاق، والأهداف المحتملة التي تندرج فيها وتصل إليها، والآفاق الرحبة التي ترمي إلى الوصول إليها وحدثا سبتمبر وأكتوبر يكتسبان العاملين معاً مما يجعلهما ثورة بكل معاني الكلمة نظرياً وعلمياً وعملياً.. حسب توصيف الباحث محمد سعيد شكري..
في المقابل يقول الدكتور محمد علي الشهاري: إنه من الصعوبة أن يتخيل الانسان- مجرد التخيل- قيام ثورة 14أكتوبر 1963م بعد سنة من انتصار الثورة في شمال الوطن، بصيرورة الكفاح الثوري المسلح الذي خاضته طلائع النضال الوطني طيلة أربعة أعوام تكللت بالاستقلال الوطني في 30نوفمبر 1967م بدون دعم وإسناد وغطاء كامل من جمهورية سبتمبر والطلائع الوطنية و الثورية وبدون دعم مماثل اضطلعت به الشقيقة الكبرى مصر..
وكانت صورة الواقع السياسي والاجتماعي في تلك الفترة تكتسب بداية ملامح جديدة ومتغيرة بتأثير المعطيات والمتغيرات التي أفرزتها الأوضاع في العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى في بدايات القرن العشرين المنصرم..
ويذهب الأستاذ /أحمد الحبيشي بالقول: إن لذلك دلالة عميقة في الواقع السياسي والاجتماعي في الجنوب اليمني المحتل كان ينمو ويتشكل وفقاً لمعطيات ومؤثرات الواقع السياسي والاجتماعي في الشطر الشمالي والعكس صحيح أيضاً الأمر الذي أسهم في بلورة الأهداف التحررية للعملية التاريخية الوطنية المعاصرة للشعب اليمني باتجاه وطني ديمقراطي وحدوي في وقت لاحق.
ولأن بريطانيا كانت قد حددت شكل سيطرتها الكولونيالية على الجنوب اليمني المحتل بتقسيمه إلى جزئين، الأول باسم مستعمرة عدن والثاني باسم محميات عدن الشرقية والغربية التي انقسمت بدورها إلى سلطنات وإمارات وولايات ومشيخات مختلفة.
ظواهر سياسية
وقد أخذت بعض الظواهر السياسية بالظهور كرد فعل للأوضاع الناجمة عن الاحتلال البريطاني.. ومن هذه الظواهر على سبيل المثال لا الحصر، حركة الجمعية الاسلامية في عدن والتي عنيت بالأمور الدينية والإصلاحية والتربوية وحركة نادي الشعب اللحجي التي طالبت بدستور تحدد فيه سلطات السلطان وحركة وحدة حضرموت التي ظهرت في أواسط الاربعينيات ودعت إلى تحقيق وحدة حضرموت بشطريها القعيطي والكثيري آنذاك.
وخلال تلك الفترة أيضاً تأسس الحزب الوطني في حضرموت الذي قاد انتفاضة عام 1951م في المكلا، حيث هاجمت الجماهير قصر السلطان ودار المستشار البريطاني ومزقت العلم البريطاني والاستعماري.
ومن المفيد - بهذا الصدد- أن نشير إلى حركة سياسة خطيرة كانت قد نشأت في سياق ظهور هذه الحركات والظواهر السياسية المحلية وهي حركة الجمعية العدنية التي تأسست رسمياً كتنظيم سياسي في مطلع الخمسينيات غير أنها كانت موجودة فعلياً، كتيار ومفاهيم منذ أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات..
كان ثمة صراع حاد بين التيارين «العدني» و«الجنوبي» وصفه الأستاذ علي باذيب رحمه الله بقوله «أخذ الصراع بين الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب، أو بين أنصار الدعوة إلى الحكم الذاتي والدعوة إلى اتحاد الجنوب وقتاً طويلاً، وقادت صحيفة «النهضة» وفيما بعد «الجنوب العربي» الحملة الاتحادية.. واتجه خطر المحاولات والدعوات الرامية إلى عزل عدن وتحقيق الحكم الذاتي لعدن الكومنولث، فقد اندفع الكثيرون من الفئات المتعلمة والكثيرون من المواطنين إلى التعاون مع الرابطة..».
وتستدعي الأمانة التاريخية حسب توصيف أحمد الحبيشي القول بأن رابطة أبناء الجنوب مثلت في ذلك الحين إطاراً وطنياً عريضاً انخرطت فيه غالبية العناصر والاتجاهات السياسية والفكرية الوطنية والقومية إن لم نقل كلها والتي شكلت فيما بعد أحزاباً وتنظيمات سياسية لعبت دوراً بارزاً في الثورة اليمنية ذلك أن الرابطة كانت تمثل خلال فترات متعاقبة من الخمسينيات مايشبه التنظيم الجبهوي الواسع الذي يضم مختلف القوى والاتجاهات على أساس محاربة الاستعمار.
أيام الشيوعية
يقول الدكتور سلطان عبدالعزيز المعمري:
لقد شكلت الثورة اليمنية حدثاً سياسياً واجتماعياً متقدماً متسقاً في فعله ومتناغماً في أدائه، ومنسجماً في توقيته وزمانه، وكان الحدث الأبرز في القرن العشرين تكاملاً ونجاحاً، في سفر طويل من محاولات اليمنيين التي لم تتوقف يوماً للخروج من عهود الانحطاط والتخلف تلك التي فرضتها مشيئة المتحكمين من الطغاة والمستعمرين الذين توارثوا حكم البلاد بالجور والظلم والاستبداد، ولذلك لم تكن الثورة السبتمبرية الوطنية التحررية عام 2691م إلا تتويجاً طبيعياً لمجموع النضالات والمحاولات والحركات الوطنية خلال التاريخ السابق لسبتمبر 1962م ضد الظلم وضد السياسات الاضطهادية والقهرية للسلطة الإمامية الكهنوتية المتحجرة من جهة ومن أجل التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما من جهة ثانية وإقامة دولة الوحدة من جهة ثالثة.
من جانبه يقول المقدم ركن/محمد عباس ناجي الضالعي:
الكل يدرك أن الشعب اليمني في شمال الوطن وجنوبه، قام بالعديد من الانتفاضات والثورات الوطنية ضد الحكم الإمامي في الشمال.. وفي الجنوب قامت العديد من الانتفاضات ضد الحكم الاستعماري البريطاني ففي شهر مارس من عام 1956م شهدت عدن حوالي «30» إضراباً عمالياً وفي يونيو من العام نفسه قام الثوار في بيحان بالهجوم على المركز الحكومي وفي خريف عام 1956م أثارت الأحداث التي شهدتها مصر على إثر العدوان الثلاثي.. غضب الشعب اليمني، فازدادت وتيرة العمل الوطني ضد التواجد البريطاني في مستعمرة عدن والمحميات الشرقية والغربية فعمل المستعمرون على زيادة التوغل في المناطق الريفية ولاسيما المحاذية لأراضي المملكة المتوكلية في الشمال.. لهذا شعر الإمام أحمد بخطورة هذا التدخل من جهة ومايشهده الشطر الشمالي من نهوض حركي ووطني يهدد نظامه، فعمل على تمتين علاقته بمصر العربية والدول الاشتراكية سابقاً فتدفقت الأسلحة على ميناء الحديدة فعمل الإمام على دعم الانتفاضة الثورية في المحميات الغربية والشرقية مثل الضالع وردفان والصبيحة ولحج ويافع والعوالق العليا والعوالق السفلى والفضلي وبيحان حتى أنه أطلق على الفترة«56 - 1958م» في المحميات«أيام الشيوعية» بغرض تشويه سمعة الثوار.
انتفاضات تتواصل
وقد شهدت المحميات الغربية في شهر فبراير عام 1957م أكثر من خمسين حادثة معظمها اطلاق نار على المراكز البريطانية وعلى المسؤولين المحليين في كل من ردفان وحالمين والضالع، وفي 24 فبراير 1957م نصب «16» رجلاً من قبيلة الأزارق كميناً لدورية عسكرية بريطانية تتكون من «22» فرداً من أفراد قوات «الكاميرون مايلاندر» أسفر عن مقتل اثنين من الدورية واصابة ستة بجروح.
وفي أغسطس أو سبتمبر من نفس العام بدأت انتفاضة قبيلة الشعار في إمارة الضالع فتضامن معهم أبناء القبائل الأخرى، حتى إنه عند مرور القوات العسكرية الخارجية من عدن عبر لحج لقمع تلك الانتفاضة وزعت المنشورات في لحج، تدعو أفراد جيش الليوي والحرس الحكومي إلى الثورة والهروب من الخدمة العسكرية، وتم رمي تلك القوات أثناء مرورها بلحج بالحجارة، كما انتفضت قبايل بيحان ودثينة فقامت القوات البريطانية باعتقال العديد منهم وصادرت الممتلكات.
وفي عام 1958م رفض سلطان لحج علي عبدالكريم الانضمام إلى اتحاد الامارات للجنوب العربي فأرسلت بريطانيا في أبريل من نفس العام«4000» جندي تدعمهم الأسلحة الثقيلة واحتلت السلطنة تحت مبرر اكتشاف مخازن للأسلحة والذخائر، وعلى إثر ذلك نزح جزء من قوات سلطان لحج إلى تعز بلغ عددهم 45 ضابطاً و300 جندي.
وفي 22 ابريل 1958م قامت قبائل الشاعري والدكام والحميدي والأحمدي والأزرقي والمحاربة وحجافة وبني سعيد وحالمين وردفان باحتلال مركز «السرير» في جبل حجاف بقصد السيطرة عليه أما في يافع السفلى فقد نشب خلاف بين السلطان محمد عيدروس والبريطانيين على أسعار القطن.. فعملت بريطانيا على عزل السلطان الذي بدوره قاوم الإجراءات البريطانية فاستمرت الأعمال القتالية من فبراير 1958م إلى ابريل 1961م.
وفي 19 يوليو 1958 اندلعت انتفاضة قبائل سيسان والمناهيل في حضرموت، كما قامت قبائل الربيزي في العوالق في مارس 1959م على إجبار القوات البريطانية على الانسحاب من المراكز العسكرية التي أقاموها في العوالق فقامت القوات البريطانية بقصف مناطق تلك القبائل بواسطة الطيران مما أدى إلى استشهاد عدد من الثوار وأحرقت المزارع وأبيدت المواشي وتشردت الأسر ولجأ الثوار إلى الجبال لمواصلة المقاومة.
العاصفة العدنية
يضيف الضالعي: يمكننا القول إنه من خلال الفترة من 56-1958م شهدت الانتفاضة الثورية في المحميات الغربية والشرقية إطراداً في الكم والكيف نتيجة للمد الثوري العربي الذي خلفته الثورة العربية في مصر منذ قيامها في عام 1952م وتنامي الوعي الوطني بأهمية النضال ضد المستعمر، واستفادت المقاومة الشعبية من الدعم المحدود الذي قدمه الإمام أحمد لها، إلا أن التراجع الذي أقدم عليه الإمام أحمد بعد أن شعر بخطورة تنامي الوعي الوطني في الشمال والجنوب على حد سواء ضد حكمه والحكم البريطاني، فتوصل إلى حلول مع البريطانيين قام على إثرها بقطع كافة أشكال الدعم والمساندة على رجال المقاومة الشعبية فكان نتاج ذلك زيادة الهجمة العسكرية البريطانية ضد القبائل الثائرة التي لم تجد معظمها - وخاصة القيادات - من وسيلة سوى اللجوء إلى المناطق الشمالية أو الهجرة إلى دول عربية مثل الكويت والسعودية ومع ذلك فإن تلك القيادات التي لجأت إلى الشمال قبل قيام ثورة «26 سبتمبر» حاولت أن تتخذ من الشمال قاعدة لانطلاقتها النضالية ضد المستعمر وتكونت في عام 1957م جبهة اسميت «العاصفة العدنية» بقيادة محمد عبده نعمان الحكيمي الأمين العام للجبهة الوطنية المتحدة وكانت تذيع برنامجاً إذاعياً من إذاعة صنعاء باسم صوت الجنوب لكن الإمام رفض أي نشاط لهم في صنعاء فعملت مجموعة من المناضلين على تكوين تجمع جديد لهم في منطقة البيضاء الحدودية برئاسة محمد عبده نعمان الحكيمي ومقبل باعزب وباشتراك عدد من رؤساء القبائل ومنهم أحمد سالم الحميري وعمر سالم الدماني والعاقل حسن المجعلي وعبدالله مساعد المصعبي وناصر علوي السقاف ومحمد صالح الحوشبي والسلطان محمد عيدروس..
وأسسوا هيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل وحصلوا على بعض الأسلحة من مصر عام 1960م لكن الإمام لم يسمح بخروج هذه الأسلحة من ميناء الحديدة فكان لتلك المواقف التي اتبعها الحكم الإمامي ضد القيادات الوطنية بالغ الأثر في تكوين الحقد وروح الانتقام من ذلك النظام في صنعاء.
ثورة شاملة
لقد حددت ثورة سبتمبر منذ الوهلة الأولى لقيامها حقيقة توجهها الوطني لثورة شاملة لاتعترف بالحدود الشطرية المفروضة على اليمن وأهله، وعبرت عن خطها الوطني المعلن صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م كما جاء ضمن أهدافها الستة أو في بيانها إلى الشعب اليمني على اعتبار أن«الثورة ليست ثورة فرد أو أفراد اطلاقاً إنها ثورة الشعب كله ثورة الجنود والقبائل، ثورة المدنيين والمثقفين الصغار، ثورة التجار وطلاب المدارس، ثورة المهاجرين المشردين في أنحاء العالم ثورة تقضي على التفرقة بأنواعها فلا زيدية أو شافعية ولاقحطانية ولاهاشمية ولارأسمالية.. بل شعب واحد يؤمن بالله وبأنه جزء من الأمة العربية».
وعند إعلان قيام الثورة السبتمبرية عبرت الجماهير اليمنية عن فرحتها بهذا الحدث العظيم في كل قرية ومدينة دون استثناء، إلا أن تعبير الجماهير في المناطق الجنوبية المحتلة.. كان له طابع مميز أظهر ثقل هذه الثورة وفجر طاقات الشعب الوطنية، فقد خرجت الجماهير في شوارع مدينة عدن تردد الأناشيد الثورية المعبرة عن التأييد للثورة، ونشطت اجتماعات القوى الوطنية وفي مقدمتها الحركة العمالية والأحزاب السياسية وبدأت طلائع المتطوعين للدفاع عن الثورة تتجه نحو صنعاء وتعز منذ الأسبوع الأول لقيامها.
وكان الحكم الاستعماري البريطاني في الجنوب معاديا لثورة سبتمبر مما حدا بالمجاميع الجنوبية التي في صنعاء في نهاية عام 1962م بإعادة تنظيم نفسها في إطار سياسي يمثل أبناء الجنوب أمام القيادة في صنعاء لعرض مشروع الكفاح المسلح عليها وسميت هذه الجبهة «بهيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل».
في المقابل استغلت حركة القوميين العرب وبصورة ذكية خلافات البعثيين والقيادة المصرية التي لم تكن راضية عن تلك الهيئة.. وبدأت الحركة التي كان يقودها في الجنوب فيصل عبداللطيف الشعبي وفي الشمال مالك الإرياني تروج للكفاح المسلح وتعد العدة لإنشاء تنظيم منبثق عنها وأجرت اتصالات مع قيادتها في الخارج مثل جورج حبش ومحسن ابراهيم وهاني الهندي للاتصال بالزعيم جمال عبدالناصر في الحصول على الضوء الأخضر لتأسيس ذلك الإطار ونقل قحطان محمد الشعبي من القاهرة إلى صنعاء ليقود هذا العمل بعد أن تم تعيينه مستشاراً للرئيس عبدالله السلال لشئون الجنوب.
الكفاح المسلح
كخلفية دقيقة للكفاح المسلح أورد هنا ماكتبه المناضل عبدالفتاح اسماعيل في عدد قديم من جريدة الثوري صادر في يوليو من العام 1974م ومما جاء فيه:
على امتداد سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات كان الشعب قد تمرس على أساليب النضال الوطني وخاض مختلف طرق النضال السلمي من أجل تحرره الوطني عن الاستعمار البريطاني.
في البداية الأولى للستينيات بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية أفكار الكفاح المسلح وكانت في الواقع تجسيداً لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد وكانت في الوقت نفسه ملجأها الأخير بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها وعدم جدواها في الاضطلاع بالمهام الحقيقية للتحرر الوطني بفعل الطبيعة الاستعمارية الإمبريالية البريطانية بل الطبيعة التي تلازم عادة كل المستعمرين في عصرنا الراهن.
وكانت حركة القوميين العرب من بين التنظيمات الأخرى التي تبنت أسلوب الكفاح المسلح طريقاً للتحرر الوطني.
لكن كان تقييمنا لهذه المسألة أننا لانستطيع أن نبدأ بالكفاح المسلح قبل إسقاط النظام الإمامي الكهنوتي في صنعاء.
وقد كان تقييمنا لهذه المسألة صحيحاً فبعد فترة بسيطة لترسيخ القناعة بضرورة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني قامت ثورة 62 سبتمبر وتم إسقاط النظام الإمامي الكهنوتي وقام النظام الجمهوري وولدت ظروف ملائمة في صنعاء تمهد لانتقال الكفاح المسلح من حيز الإيمان النظري إلى حيز التطبيق العملي.. وفي هذا الاتجاه برز عاملان أساسيان حتما البدء في الكفاح المسلح.
إن الخلفية المساندة لأي كفاح مسلح في الشطر الجنوبي المستعمر من قبل المستعمرين الانجليز أصبحت موجودة وهذا يعني أن النظام الجمهوري في صنعاء غذى تلك الخليفة التي يمكن أن تلعب الدور الوطني اليمني لدعم الكفاح المسلح ضد بريطانيا الاستعمارية من أجل تحرير إقليم الوطن اليمني، الجانب الآخر في المسألة هو أن مجرى النضال الوطني للشعب اليمني دفاع عن جمهورية سبتمبر كان يضع أمام الحركة الوطنية في الشطر الجنوبي من الإقليم مهام الاضطلاع بدور حماية هذه الجمهورية فقد هب الآلاف من كل الحواضر والألوية والمناطق اليمنية للانخراط في صفوف الحرس الوطني من أجل الدفاع عن جمهورية سبتمبر.
كانت أمام الحركة الوطنية في الشطر الجنوبي من الوطن مهمتان: مهمة الدفاع عن جمهورية سبتمبر بعرقلة التخريب البريطاني والملكي القادم من الجنوب ومهمة الاستفادة من الظرف التاريخي الذي ولدته ثورة سبتمبر من أجل السير في النضال الوطني التحرري ضد المستعمرين الانجليز لكي يتم تحرير جنوب اليمن.. على ضوء كل ذلك كان قرار الكفاح المسلح يعلن عن نفسه مستنداً على الظروف الموضوعية والذاتية في المجتمع اليمني بأسره وفي البداية كان هدفنا قيام جبهة وطنية تقود الكفاح المسلح وقد حاولنا في حوارنا مع بقية التنظيمات وبالذات حزب البعث وحزب الشعب الاشتراكي أن تكون القناعة مشتركة حول الكفاح المسلح لكن يبدو أن مثل هذه التنظيمات لم تكن بعد قد تخلصت من عدم جدوى النضال السلمي وكانت تعتقد أن الطريق السلمي لايزال هو المؤدي للاستقلال الوطني.
وفي مايو3691م جرى حوار في صنعاء بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية سرية أخرى يمكن اعتبارها تنظيمات سرية وعلنية لها علاقة طيبة بالحركة وفي هذا اللقاء تم تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل على أساس الأخذ بالكفاح المسلح اسلوباً لطرد المستعمرين الانجليز وحينها كان الصدام بين تشكيل القبائل أحد فصائل الجبهة القومية والقوات البريطانية قد بدأ يأخذ مجراه الصراعي في ردفان وكان لابد من جعل الانتفاضة المسلحة في ردفان بداية انطلاق ثورة 41أكتوبر.
وهكذا تم تشكيل الجبهة القومية في صنعاء وفي هذه الفترة كانت القوات العربية قد وصلت إلى صنعاء للمشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر أمام الهجوم الملكي والاعتداءات العسكرية الانجليزية من الجنوب حينها كانت العلاقة داخل الحركة الوطنية مشوبة بالخلافات والمشاحنات العدائية فقد كانت العلاقة بين الناصريين والبعثيين قد وصلت إلى درجة كبيرة من التوتر وكانت العلاقة بين حركة القوميين العرب والرئيس الراحل عبدالناصر علاقة جيدة.
وبسبب العلاقة الجيدة بين الحركة وعبدالناصر وبسبب الأخطار المحيطة بجمهورية سبتمبر اضافة إلى نضج الظروف الداخلية للقيام بالكفاح المسلح استطاعت حركة القوميين العرب أن تلتقط مؤشرات النضال التحرري في الساحة وتدفع به خطوات إلى الأمام وكان الصدام العسكري بين القوات المصرية والبريطانية على الحدود بين اليمن الجمهورية الشمالية واليمن المستعمرة الجنوب وبالذات منطقة بيحان يمهد لتجسيد العلاقة الجيدة بين الحركة وعبدالناصر بتدعيم العمل المسلح وعبر عن استعداده لتقديم السلاح للجبهة القومية من خلال وجود القوات العربية في صنعاء وتعز.
وعلى أثر توافر الشروط المهيئة للسير في طريق الكفاح المسلح قمنا بالتحضير السياسي والعسكري الواسع للكفاح المسلح وبدأنا بتدريب العناصر التي ستتحمل مسئولية العمل الفدائي فقد كنا نرسل هذه العناصر سراً للتدريب في معسكرات الجبهة في تعز وصنعاء على مختلف الأسلحة وأساليب العمل الفدائي وكان التدريب يأخذ فترة قصيرة في معسكرات الجبهة القومية في الشمال إلى جانب ذلك كنا قد بدأنا بإدخال السلاح وخزنه في أماكن سرية وبدأنا بتشكيل الفرق الصغيرة التي ستكون مهمتها القيام بالعمليات الفدائية وفي الجانب السياسي فقد كنا دوماً نحاول أن نجر القوى الوطنية الأخرى للانخراط في عملية الكفاح المسلح ولكن يبدو أن الخلافات الحزبية والتناقضات الذاتية كانت أقوى من تغلب لصالح النضال الوطني والكفاح المسلح خاصة وأن الحركة التي كانت تقود الكفاح المسلح تعيش خلافاً مع التنظيمات الأخرى التي ترتبط بصلات حزبية بتنظيماتها القومية.
في البداية الأولى كان تركيزنا على تثبيت أركان الكفاح المسلح وانتشاره في ما كانت تسمى بالمحميات وعدن المستعمرة وفي السنتين الأوليين من عمر الثورة أصبح الكفاح المسلح أبرز وأوسع أشكال النضال الوطني قدرة على التأثير في مجرى الحياة السياسية أصبح يستقطب حوله كل القوى الاجتماعية المؤمنة بالتحرر الوطني لبلادها.. وإلى جانب اسلوب الكفاح المسلح استخدمنا أساليب النضال الوطني الآخر مثل تنظيم المظاهرات الشعبية والاضرابات العمالية وإثارة القضية الوطنية في المحافل والمؤتمرات العالمية وهيئة الأمم المتحدة والجامعة العربية.
واحتلت المنظمات الجماهيرية والاجتماعية اهتمامنا في عملية تنظيم وتعبئة الجماهير في مرحلة التحرر الوطني وتركز اهتمامنا أكثر بالحركة العمالية حيث استطاعت الجبهة القومية مد نفوذها واستقطاب العديد من النقابات إلى صفها ومازلنا نتذكر الدور الذي لعبته النقابات الست في عملية النضال الوطني.
وكما تمكنا من السيطرة على الحركة العمالية خلال عملية النضال الوطني استطعنا كذلك التغلغل داخل المنظمات الجماهيرية مثل اتحاد الطلبة والمرأة والحركة الرياضية وقد لعبت هذه المنظمات دوراً مهماً في النضال الوطني، مثلاً كانت المرأة تقوم بتوزيع المنشورات ونقل الرسائل والتعميمات الداخلية والمشاركة في المظاهرات مرات كثيرة بالاضراب عن الدراسة ومقاومة السياسة التعليمية الاستعمارية.
بعد اتخاذ إقرار الأخذ بالكفاح المسلح طريقاً لنيل التحرر الوطني بعد الانتفاضة المسلحة في ردفان كان علينا أن نتوسع في تدريب الكوادر العسكرية ونعدها إعداداً سليماً، وبسبب ظروف العمل السري كنا نختار أصلب العناصر وأكثرها نضجاً في الوعي السياسي ولها أيضاً خبرة تنظيمية طويلة.
لبوزة
صحيح أن يوم 41أكتوبر 1963م لم يكن يوماً قد حدد مسبقاً بأنه يوم الثورة لكن تفجير الثورة كان قد تم الإتفاق عليه، وهذا ما أكده المناضل الراحل/ناصر علوي السقاف الذي كان حينها نائب قحطان محمد الشعبي بقوله: عاد راجح بن غالب لبوزة من الجبهة جبهات الدفاع عن ثورة 62سبتمبر ومعه 001مقاتل وقد سمع بقانون حكومة الاتحاد وبعد التشاور مع القيادة والحكومة من شماليين وجنوبيين أعلن أنه سيعود وسيقاوم إذا تطلب الأمر ذلك.. أخذنا وعد لبوزه بعين الاعتبار.. المهم عاد الرجال إلى ردفان وطالبوهم بتسليم السلاح فرفضوا فنشب القتال.
وفي اليوم الثاني لاستشهاد المناضل لبوزه أي في يوم 15أكتوبر قام المناضل/صالح علي الغزالي بتحرير رسالة إلى المقدم/أحمد الكبسي قائد لواء إب حملها إليه الأخ/صالح أحمد حسين البكري أبلغه فيها نبأ استشهاد راجح بن غالب لبوزه وما تعرضت له قبائل ردفان من اعتداء بريطاني غاشم وطلب منه إبلاغ قحطان الشعبي وقيادة الجمهورية في صنعاء بذلك.
بعد ذلك أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في 23أكتوبر بياناً أعلنت فيه استشهاد لبوزه مؤكدة عزمها على مواصلة مسيرة الكفاح المسلح التي بدأها لبوزة ورفاقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.