وأخيراً صدر بيان الاعتذار، وبهذا تكون اليمن اسمها في التاريخ الحديث كأول دولة عربية تعتذر من شعبها وتعدهم بعدم تكرار حروب الماضي. وببيان الاعتذار هذا، نكون قد سمحنا لأنفسنا كشعب ودولة أن نسامح انفسنا ونبدأ بالنظر نحو المستقبل من دون أن نبحث عمن نلومه ونغرق في دائرة مفرغة للبحث في أخطاء الماضي. أنا لا أنكر أنه كان من الممكن أن ندخل التاريخ باعتذار مصاغ بطريقة افضل من التي كانت. كذلك كان من الأحرى ان لا يتم التفريق بين المحافظات الجنوبية والشرقية لأنها كلها في إطار ما هو متعارف عليه بالجنوب. كذلك كان يجب مثلاً ان لا تكون صيغة الاعتذار عن حرب 94 كأنها من الطرفين لأن التاريخ يشهد أن أصل الصراع في صيف 94 كان من الشمال على الجنوب وليس العكس. وأخيراً كان من المفترض ان يعطى لهذا الاعتذار حجمه التاريخي وان يتم قراءته من قبل رئيس الوزراء نفسه أو على الأقل وزير الداخلية او الدفاع وأن لا يقرأه مذيع في نشرة الأخبار كأنه حدث عادي بسيط. وهذا لأن الاعتذار في حد ذاته ليس حدثاً بسيطاً ولا عادياً، فنحن من خلاله كيمنيين ضربنا مثلاً من أروع الأمثال في الإقليم للتسامح السياسي والوطني. فالاعتذار بشكل عام ليس سهلاً، ورمزيته لها معانٍ كبيرة ليس من العدل التجاوز عنها لأن الصياغة و الإعلان لم يكونا مرضيين. ولا ننسى أن الاعتذار بحد ذاته لم يكن من المفترض منه أن يصحح الوضع الحالي أو أن يدين هذا الطرف أو ذاك. بل العكس تماماً، فالاعتذار مقدمة لعهد جديد فيه التسامح وفيه العمل المشترك لأجل مستقبل تتعايش فيه معاً الأطراف المختلفة وحتى المتناحرة. ولكن من المهم بمكان اننا حتى وان اختلفنا حول هذا الاعتذار، علينا ان نجعل منه واقعاً نعيشه. وأن نجعل من الجانب المتعلق بضمانات عدم تكرار الماضي أن يتحول إلى آليات وإجراءات دقيقة وإلا فلن يكون لهذا الاعتذار معنى أو قيمة. هناك إجراءات بناء الثقة على أرض الواقع التي بدأت منذ مدة وإن كانت بطيئة وليست بالشكل المطلوب. ربما كان أحد الأسباب فيها العجز المادي القاهر الذي تعانيه الحكومة اليمنية والذي يجعل من تنفيذ الخطوات التصحيحية على أرض الواقع بدون الدعم الخارجي وبالذات من إخواننا في الخليج امراً متعذراً. كما أننا في انتظار مصفوفة مزمنة تتعلق بتنفيذ النقاط العشرين والإحدى عشر. تعتبر هذه المصفوفة خطوة متقدمة وعلى الحكومة أن تسرع في إقرارها ولا تماطل في تحويلها إلى خطط عمل تتحمل مسئوليتها الجهات الحكومية والسياسية من مختلف الأطياف. هذه المصفوفة تعتبر تقدماً كبيراً عن الوعود السابقة والإجراءات المبهمة لأنها تحمل تزمين وجهات مسئولة. لقد حان الأوان أن نفسح الطريق للقامات العالية في كل أنحاء الوطن خاصة في الجنوب لكي تقود الوطن نحو التقدم والرفاء. كما يجب أن يستعيد الجنوب مجده على ايدي رجاله ونسائه الذين اسهموا في بناء اليمن الحديث. إنني أشعر بالتفاؤل الكبير، فقد صبرنا الكثير وبقي القليل. لقد وصل الحوار الوطني إلى نقطة المحك وفيها سوف تكشف الأفعال صدق النوايا وكيف اننا كصناع قرار بيدنا مصير شعب تحملنا المسئولية وأثبتنا صدقنا أمام الله وأمام الملايين من اليمنيين الذين يأملون ويتطلعون إلى مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة. *نادية السقاف إعلامية وناشطة حقوقية يمنية، ترأس تحرير مؤسسة يمن تايمز للطباعة والنشر. هي عضو هيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومن قبلها لعبت ادواراً مهمة في المرحلة الانتقالية السلمية من خلال لجنتي الاتصال والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني. رابط المقال على الفيس بوك