يحظى المشهد السياسي الساخن في مصر بالكثير من التفاعل في أوساط النخبة من المفسبكين اليمنيين, ويظهر جلياً احتدام التباين بين هذه النخب في قراءة ما يدور هناك ما بين متعاطف مع الإسلاميين ومتعصب ضدهم، مع الإشارة إلى أنه لا يُشترط وجود هوية سياسية محددة لتيار الضد هذا وأنصاره سوى أنهم ليسوا إسلاميين ولا يحبذون هذا التيار وينطلقون في استعدائه من خلفية فكرية وثقافية تتجاوز فلسفة التنافس السياسي نحو استدعاء حالة تاريخية ملبّدة بالأحقاد والتصادم العنيف والتي سادت في السابق كنتيجة حاسمة لغياب - أو تغييب - اللون السياسي للصراع لصالح اللون الفكري والثقافي وبروز ظاهرة التعصب للفكرة قبل كل شيء والتي بدورها أفرزت شعارآ مخيفاً - وإن لم تجاهر به الجماعات المتصارعة - إلا أنه عدَّ من صميم سلوكها السياسي عنوانه “سيادة الفكرة أو الدم”. وتكمن الإشكالية في الجدل الدائر بين المفسبكين اليمنيين إزاء الحالة المصرية الراهنة أنه أسهم تدريجياً في إيقاظ هذا اللون من الصراع بعد أن كان قد شهد ما يشبه الركود لفترة ليست قصيرة بفعل اعتماد التعددية السياسية المرتكزة على فلسفة التنافس السياسي عبر برامج تتجاوز الثابت (الفكرة) إلى المتغير (السياسة) وتجعل من المتغير في خدمة الثابت لا العكس. وتشهد مواقع التواصل الإلكتروني موجة من التراشق الفكري بين مؤيدي طرفي الصراع المصري؛ الأمر الذي يشكل ضربة للتعددية السياسية في اليمن وينذر بتفكك بنية التحالفات القائمة على أسس سياسية والقضاء على هذه التجربة الفريدة برمتها. وإذاً فإن المحاولات الهادفة إلى إعادة تشكيل خارطة التحالفات السياسية وفقاً للهويات الفكرية للجماعات العاملة داخل الحقل السياسي تعد المهدد الأكبر للتجربة الديمقراطية في اليمن والمعيق لأي تراكمات إضافية في الوعي المدني الحداثي للأحزاب والجماعات السياسية اليمنية. وسيكون من المهم التأكيد هنا على أن أي إجراء لإعادة تقويم الإنحراف الحاصل في مسار العملية التنافسية يجب أن يتضمّن الإقرار بحقيقة انتهاء العمر الطبيعي لهذا اللون من الصراع - في المستوى المحلي على الأقل - وإن أية محاولة لإعادة بعثه من جديد ستكون محاولة للتدمير..والتدمير فقط..!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك