العد التنازلي بالنسبة للفترة المحددة لمؤتمر الحوار الوطني يتناقص وعلى وشك الانتهاء، والنتائج التي خرج بها حتى الآن لاتزال غامضة، وكل ما يذاع عنها وينشر لا يلبّي الطموحات والتطلعات، ولا يحقق تلك الآمال التي كانت معقودة على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من قبل كل أبناء الشعب اليمني؛ وذلك بسبب تباين الرؤى والاختلافات حول القضايا المطروحة على طاولة الحوار لمناقشتها والتي من أهمها صياغة الدستور الجديد وتحديد شكل نظام الحكم وهل ستكون الدولة القادمة اتحادية أم فيدرالية أم سيتم اعتماد نظام الأقاليم والتعامل مع القضية الجنوبية وصعدة كقضايا أساسية؟!. كل هذه قضايا مهمة وشائكة، وكل طرف مشارك في الحوار له رأي خاص به حولها، ودون الاتفاق عليها من قبل كل الأطراف لا يمكن أن يصل اليمنيون إلى بر الأمان. وتزداد التعقيدات في مؤتمر الحوار الوطني من خلال انسحاب بعض المشاركين فيه، وهو الأمر الذي سيسبب إرباكاً واضحاً لدى المتحاورين، كما أن التشدُّد من قبل بعض الأطراف والتمسك برؤاهم وعدم التخفيف منها وتقديم تنازلات وصولاً إلى توافق حولها وإيجاد حلول وسطية يرضى بها الجميع سيزيد من تصعيب الأمور ويجعل كل فريق يتصلّب أكثر ويتمترس خلف رأيه ووجهة نظره حتى لو كانت غير صائبة، فتكون النتيجة النهائية فشلاً وضياعاً لبقايا الحكمة التي لايزال اليمنيون يلجأون إليها عند الضرورة لحل مشاكلهم وقضاياهم المعقدة، صحيح أننا لسنا متشائمين إلى الدرجة التي تجعلنا نيأس تماماً بفضل وجود العقلاء والمصلحين الذين يسعون إلى تغليب المصلحة الوطنية ويؤثرونها على أية مصلحة أخرى وفي مقدمة هؤلاء الأخ عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية؛ وهذا من شأنه أن يزيد اليمنيين ثقة بأنفسهم ويدفعهم إلى العمل من أجل إيجاد أرضية مشتركة صلبة يقف عليها الجميع دون أن تتحرك أو تهتز تحت أقدامهم. ولنا في تجاربنا السابقة عبر ودروس يمكن أن نستفيد منها؛ حيث لايزال يقفز إلى الأذهان ما حدث في العام 1972م من حرب تفجرت بين أبناء شطري الوطن اليمني سابقاً بسبب تدخل الخارج في شؤونهم وتحريض من لا يحبون الخير لوطنهم في الداخل ممن تعودوا دائماً أن يصطادوا في الماء العكر ومستعدين أن يبيعوا أي شيء مقابل ما يستلمونه من ثمن بخس من المال المدنس، فقد تعامل العقلاء يومها في مصدر القرار السياسي في الشمال والجنوب بحكمة وتروٍ ولم يسمحوا لتلك الحرب المؤسفة التي كانت تغذى من قبل أعداء اليمن في الخارج والداخل بتوسيع رقعتها وإنما حاصروها بأول اتفاق وحدوي تم التوقيع عليه في مقر الجامعة العربية بالقاهرة من قبل رئيسي حكومتي الشطرين حينها محسن أحمد العيني وعلي ناصر محمد، ليعقبه بعد ذلك بشهر واحد اجتماع لرئيسي الشطرين آنذاك القاضي عبدالرحمن الإرياني وسالم ربيع علي في طرابلس الغرب بليبيا والذي صدر عنه ما عرف ببيان طرابلس الذي شكل قاعدة ثابتة انطلقت منها المحادثات الوحدوية فيما بعد وصولاً إلى إعادة تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م ترجمة لإرادة أبناء الشعب اليمني الوحدوية من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه؛ ولكن لأن القيادة التي فوضها الشعب اليمني لتقوم بإعلان إعادة تحقيق الوحدة نيابة عنه لم تكن عند مستوى الثقة التي منحت لها؛ فقد اختلفت هذه القيادة على تقاسم الكعكة فيما بينها بعد شهر واحد من قيام الدولة اليمنية الجديدة الموحدة، فتسبب خلافها واختلافها على قضايا تكاد تكون شخصية في خلق المشاكل والمتاعب للدولة الجديدة؛ ولذلك لم يفرح اليمنيون كثيراً بتحقيق هذا المنجز التاريخي العظيم هدف الأجيال السابقة واللاحقة والذين ناضلوا من أجله عشرات السنين؛ وإنما ظلوا طيلة الفترة الانتقالية يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من أن تنفجر الحرب في أي وقت، ورغم أنهم تنفسوا الصعداء بعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية التي لو أخذت طريقها إلى التنفيذ لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم ولكنه تم الالتفاف عليها من قبل من اعتبروا أنفسهم قيادة لدولة الوحدة؛ فكتب لهذه الوثيقة شهادة الوفاة تزامناً مع تفجير الحرب الخاسرة في صيف 1994م بحجة تصحيح مسار الوحدة لدى طرف والدفاع عن الوحدة لدى طرف آخر، وكان الشعب اليمني هو الذي دفع الثمن غالياً من أمنه واستقراره وضياع دولته. ونتيجة لانفراد طرف واحد بالقرار السياسي بعد انتهاء هذه الحرب المشؤومة لم يكن يبقى أمام اليمنيين حينها إلا التعويل على استغلال المنتصر للفرصة التاريخية التي توافرت له لإصلاح ما أفسده خلال الفترة الانتقالية؛ لكنه مع الأسف لم يذهب إلا إلى مزيد من الفساد المشرعن بزهو النصر، ومضت الأمور في هذا الاتجاه ليوصلونا إلى الوضع الصعب الذي نعيشه اليوم، ونخشى أن ذات القوى نفسها التي ضربت عرض الحائط بالإجماع الوطني المتمثل في وثيقة العهد والاتفاق هي نفسها اليوم من تريد بتعنتها أن توصل الحوار الوطني إلى الفشل بعد أن وضع اليمنيون كل آمالهم معلقة عليه، ولن يبقى معنا إلا انتظار ما ستسفر عنه المتغيرات الإقليمية والدولية من تجاوز لما نحن والمنطقة العربية فيه. alsharifa68@yahoo رابط المقال على الفيس بوك