من الجامعة كان المبتدأ ؛ تكاثرت محفزات التفاعل ( فساد ، ظلم ، استبداد ، ...) في وسط مدرك ونشط ( الشباب ) ليولد الانفجار العظيم ( ثورة الشباب ) . نحن أمام تجربة وليدة ؛ حساسية قيادتها تدفع باتجاه ملامسة المشكل الرئيس المعيق لعجلة التقدم ، متوقفة على براعة التخطيط وبُعده ، متوقفة على مدى الاستفادة والاستغلال الأمثل لطاقات وجهود الشباب الذين يُفترض أن كل الجهود تمضي بهم و لأجلهم كونهم الشريحة الأكبر والأقدر التي يُعول عليها كثيراً في عملية بناء الحاضر والمستقبل . معضلة التغيير في بلادنا ليست في سن القوانين وتبديل الوجوه ، ليست في تصدر المشهد باسم المرحلية أو الثورية أو في إغداق الناس بعنتريات النزاهة العاجزة عن تحقيق النزر اليسير من المأمول العام !. التغيير مسئولية في المقام الأول ، استشعار دقيق لنبض التطلع المتصاعد لهذا الجيل الفتي ، وعلى ما يبدو أن معظم المسئولين الذين جاءوا على إثر ثورة الشباب – أن أحسنا الظن بهم – ربما لا يدركون خطورة أن يضعوا أنفسهم في مواجهة أخلاقية مع الشباب ، وإذا أدركوا لا يتعظون ، هذا ما يعكسه واقع الحال في الوطن عموماً وفي جامعة صنعاء على وجه الدقة ، حيث شيزوفرينيا القول والفعل في أوج ارتفاعها ، حيث حمى السطو الحزبي في أعلى درجاتها ، حيث تتغلب لغة المكايدات ويتضخم ورم الاستحواذ على ما سواه ، والنتيجة مأساة عميقة تلقي بظلالها على العملية التعليمية وعلى الطلاب بل على المجتمع على حدٍ سواء .. الأربعاء الماضي كان أوائل جامعة صنعاء وهم نخبة من الشباب المثابر والمجتهد من مختلف تخصصات وكليات الجامعة شهود عيان على تبجح الفساد بنسخته الجديدة وهو يحاول يهضم حقاً طبيعياً لهم في التعيين كواحدة من بديهيات الأخذ بأيدي الشباب ودعم المبرزين و المبدعين منهم ، وتوظيف هذا التفوق والتميز الذي حصدوه – رغم تواضع المتاح – للصالح الوطني . ملف تعيين الأوائل يُرحل منذ سنتين في الإدارات والدوائر الحكومية المختلفة ثم أتى دور الجامعة لتقضي على ما تبقى من توق لدى هؤلاء في وضع بصمة لهم في ذاكرة الانجاز الإنساني ، سنتان من الملاحقة والمتابعة المضنية يُحال بعدها ملف تعيينهم إلى لجنة للتدارس ، وقد قيل «إذا أردت تمييع أي قضية فشّكل لها لجنة» !!. لا أدري ما الإشكال بالضبط ، ولا أعرف كنه التعقيدات التي وُضعت ، ولا أعلم عن ملابسات حشر ملفات غير قانونية ضمن موضوع الأوائل الأكثر من عادل وقانوني ، لكن ما أعرفه أن القضية جلية والموضوع واضح كان يُفترض أن يستكمل في حينه بشكل روتيني دون الحاجة إلى لجان أو إحالة أو تأجيل أو مماطلة ، كلها أساليب تجهض الطموحات ، تبدد الآمال ، تمشط الشباب حماسهم ، تستنزفهم فكرهم وتفكيرهم الذي كان يجب أن يكون في مكان آخر يحتاجه الوطن. ما أعرفه أنه مهما كانت حدة التباينات والآراء المتضاربة بين الجهات ذات العلاقة في الدولة أو بين رئاسة الجامعة ونقابة أعضاء هيئة التدريس فيها فإن ذلك يجب أن لا يأتي على حساب الطلاب المتفوقين ، وأياً كانت التدابير والنوايا الصادقة لإصلاح وتنظيم الكادر الأكاديمي فيجب أن لا تتجاوز أو تهمش ايجابيات ما هو قائم وفي المقدمة تشجيع وتحفيز الطلاب وحثهم على المزيد من البذل والتحصيل والابتكار . الأشد إيلاماً هي تلك المفارقات العجيبة التي يندى لها جبين المنطق والعقل؛ ففي حين أُعيد ضخ أكثر من 13مليار ريال يمني شهرياً لجيوب المشائخ وكبار القوم غصباً عن عين رغبتنا في ترشيد المال العام أوصدت حكومتنا التوافقية الباب أمام خيرة أبنائها وشبابها المتفوق في التعيين أو التوظيف في نفس المجالات التي برزوا فيها دون سواهم ، وكأن إعطاء الأوائل مثلاً حقاً من حقوقهم هو القشة التي ستقصم ظهر التوافق والبرنامج الحكومي المزمن . ستظل الجامعة تحت مجهر اهتمامنا باعتبارها ترمومتر التغيير، والحقيقة أنها في اختبار حقيقي فإما أن تنتصر لمبدعيها وأبنائها الشباب وهي بذلك تنتصر للغد ولمستقبل اليمن الذي ينشده الجميع ، وتستثمر في الإنسان الذي هو أساس كل نهضة ورقي ، وإما العودة للمربع الأول حيث البحث عن ثغرةٍ للنور وباعتقادي قد عرف الشباب طريقها جيدا.......... فاحذروا ..!