مطلع كل عام دراسي يواجه أطفال اليمن في يومهم الأول بمدارس التعليم الاساسي ,المأساة التي تنتظرهم عندما يبلغ بهم العمر ست سنوات , حيث يحشرون في غرف مكتظة بأمثالهم , ويستقبلهم مدرس أو مدرسة متسلح بعصا غليظة , ويبدأ تحذيره لهم بأن العصا تنتظر من يخرج عن نظام الصمت والسكون على مقعد خشبي يتسمرون عليه مدة اربع ساعات تتخللها نصف ساعة للراحة . في اليوم الأول لأطفال اليمن بالمدارس , يكتشف التلاميذ الصغار انهم في سجن مكتظ وأمام سلطة قهر تقيدهم عن الحركة والكلام , ويفجعون أن هذا المقر أعد لتعليمهم من خلال كتب لا يقل عددها عن الخمسة , وقائمة أملتها المدرسة أو المدرس بعدد من الكراريس متعددة الاحجام , وانهم مطالبون رغم انهم لم يتعلموا بعد القراءة والحروف بتلاوة عدد من قصار سور القرآن الكريم وكتابتها وحفظها وحفظ معاني المفردات . أذكر أن تعليم القرآن في القرى قبل الثورة اليمنية كان يبدأ بفترة محددة لتعلم القراءة والكتابة , بمنهج كان اسمه القاعدة البغدادية , أو القراءة المصورة ,وكثير منا يتذكر (ألف لا شيء له وباء نقطة من أسفل وغيرها من مفردات التعرف على الحروف ونطقها وكتابتها) وفي هذه الفترة يتعلم الطالب قواعد القراءة والكتابة , لينتقل بعدها الى تطبيق ما تعلم في القرآن الكريم , ولا شيء أكثر , غير أن فلسفة التعليم في اليمن ألغت هذه المرحلة ودمجتها مع المرحلة التالية لها والمترتبة عليها , في نظام مكتظ ودوام مجهد , وحمولة مرهقة , وقمع سائد , وطفولة معذبة ومحرومة من طفولتها المعرفة بالعلم وفلسفاته , بأنها اللعب. اولاً , لدينا مشكلة النقص الحاد في السعة الاستيعابية للفصول والحجم المكافئ من المدرسين , وهذه قضية يجب أن تتصدر الأولوية للبحث عن حلول المتاح والممكن , وثانياً : لدينا فلسفة تتجاهل المرحلة التعليمية , وأولوية تأهيل التلاميذ للتعلم ومهاراته , بحشر مقررات الدين على غير ذي أهلية لها , وفرض الفصل الجنسي بين الأطفال , ثم ثالثاً : لدينا نظام لا يراعي نفسية الطفولة الميالة الى الحركة , ويفرض عليها القعود الطويل في سجن مكتظ ومعلم مهمته السيطرة والقمع , ثم أخيراً لدينا كتب ودفاتر , تثقل التلميذ وتبلد ذهنه بالتلقين والارهاق , وهي فلسفة لا صلة لها بالتعليم ,ونظام لا فسحة فيه لتنمية المهارات أو اكتشاف المواهب , وعملية تعذيب وقهر تقتل الطفولة ذهنياً , وتغتال ما لديها من توقد ذهني وحركة بدنية , وقابلية للاستيعاب , فهل آن لنا هدم السجون المعدة لاستقبال الاطفال ؟! [email protected] رابط المقال على الفيس بوك