مشكلتنا كعرب ومسلمين أولاً ويمنيين ثانياً هو اعتقادنا بل وإيماننا الراسخ بفكرة الزعيم الأوحد في كل أمور حياتنا ، وليس فقط في الرئاسة ، لا نؤمن كأفراد وكجماعات بأهمية وقيمة العمل الجماعي والتأليف الجماعي والبحث الجماعي دائما نعلق آمالنا وأحلامنا وطموحنا فيما يسمى مثلاً بالمهدي المنتظر الذي سيخرج في آخر الزمان وينقذنا مما نحن فيه من فوضى غير خلاقة. فمثلاً حين نتحدث عن حزب ما لا يهمنا بل لا نعرف طبيعة الفكر الذي يحمله ويعبر عنه هذا الحزب أو ذاك ولكن يهمنا من هو زعيم هذا الحزب، فلو كان شخصاً نرتاح إليه اندفعنا باتجاه ذلك الحزب. وينطبق ذلك على منظمات المجتمع المدني التي أصبحت تحمل اسم الزعيم أو الزعيمة الأوحد، فحين نسمي اسم مؤسسة مجتمع مدني نربطها مباشرة بمؤسسها والمسئول عنها والذي يستمر حتى يتوفاه الله هو صاحب الكلمة الأولى والقرار الأوحد بيده يعزل من يشاء ويضيف من يشاء. لم يعد في مجتمعنا اليمني مجال لغير الزعيم الأوحد يصول ويجول في الإطار الذي يتحكم فيه ، ولا يستطيع أحد أن يوقفه عند حده ، فهو الحاكم والآمر والناهي .. فلتتأملوا الزعماء الذين يدًعون الزعامة، ويسيطرون بقدرة قادر على مراكز النفوذ الرسمي والشعبي بقوة المال أو السلاح أو القبيلة أو الجاه أو الحماية الدولية أو أكثر من مركز مما سبق. لم يعد الزعيم هو ذلك الشخص الذي يناضل في أوساط الجماهير ، ويجمع عليه معظم المواطنين كحامل لهمومهم وأحلامهم ، وقادرا على ترجمتها عمليا ، ويحظى بدعم جماهيري واسع ، فزعيم اليوم تصنعه وسائل الإعلام وذلك حين تسلط الضوء عليه بشكل مكثف وكأن لا يوجد له مثيل. والطامة الكبرى تبرز حين يرحل الزعيم الأوحد سواء بالقتل أو الموت الطبيعي أو بالتنحي تتعطل كل الأمور ، وقد يرتكب ذلك الزعيم أو بعض مؤيديه جرائم جمة وينسبونها للزعيم الجديد ، ولسان حال الناس يقول : لو كان الزعيم الأول موجوداً ما حدث لنا مثل ما يحدث الآن!! مازلنا في العالم المتخلف ننسب كل شيء لشخص الزعيم سواء كان زعيم قبيلة أو حزب أو منظمة مجتمع مدني أو ما شابه ذلك ، ونحمل الزعيم الأوحد فوق ما يتحمل وكأن المحيطين به والمخططين له والمنفذين خارج الدائرة. كيف نختزل شباب اليمن الثائر بشاب محدد وشابات اليمن بشابة محددة بعينها، وكذلك حين نعتبر أن الزعامة تكمن في القوة المادية والعسكرية وليست فيما يقدمه شخص الزعيم من رؤى وأفكار نيرة وخدمات للناس الذين يتزعمهم. الزعيم الأوحد عندنا يعيش في برج عاجي، وتحيط به بطانة سميكة من البشر يحجبون عنه الرؤية، ويقدمونه للناس بصورة مختلفة عن حقيقته، فإذا نزل إلى الجماهير واحتك بها عن قرب زالت عنه الزعامة، وأصبح عارياً دون سند. فحين نتخلص من فكرة الزعيم الأوحد نؤمن بعدم تقديس الأشخاص مهما علت مراتبهم ، ولكن ينبغي أن نحترم ونقدر كل صاحب فكر ومن لا يدعي بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة. فنحن كبشر ناقصين مهما أدعينا الكمال فالكمال لله وحده لا شريك له، فنحن كبشر قد تكون لدينا موهبة أو قدرة في مجال ما، ونبدع ولكننا قد نكون فاشلين في أمور أخرى. لذلك لا يوجد زعيم أوحد يفهم في كل شيء ، فلنحترم التخصص، ولا نحمل من نطلق عليهم زعماء فوق طاقتهم فيأتي يوم ينفضحون فيه ، وتزول عنهم تلك الهالة السحرية. نحن فعلا بحاجة لإعادة النظر في أمور الزعامة، ويكون معيار الزعامة هو الموهبة والتأهيل والخبرة والنزاهة ، ونخلع النظارات القبلية والمناطقية والحزبية حين نحدد من هم الزعماء. [email protected]