أخيراً تجلت عبقرية علي عبدالله صالح التي افتقدناها عاماً كاملاً ، فانجلت الغمة وانقشعت سحابة صيف، وتبدد معها غيوم كثيف - ظلت متلبدة، تحجب الرؤية عن الابصار، وتعتصر الافئدة اعتصار- وبعد طول انتظار - ها هو قائد المسيرة، يعود لمواصلة المشوار لنواصل به ومعه رحلة السلام بثقة نبحر - برفقة ربان مجرب ماهر.. لترسو السفينة في بر الامان على مرافئ الديمقراطية والتنمية، وشواطئ الوحدة، انها رحلة جمعتنا فيها الاقدار، فحملنا السلاح دفاعاً عن الثورة، واصطف الشرفاء في خندق الوحدة، وحملنا سوياً لواء الديمقراطية - شعب وقائد يصنعان تاريخاً واحد.. على طريق ظل محفوفاً بالمخاطر، محاطاً بحقول ألغام، ومازال مزروعاً بالاشواك، لهذا كان قرار الاخ الرئيس التخلي عن حقه الدستوري بالترشح للفترة الرئاسية القادمة - اشبه ب (ترجل فارس والمعركة لم تحط اوزارها بعد) ، لهذا كان القرار مرفوضاً بالاجماع، وظلت تبريراته غير مقبولة إطلاقاً الا لدى أعداء الثورة والجمهورية، والمتربصين بالوحدة والديمقراطية - انهم خفافيش الظلام الذين لم يكن (بدر الدين الحوثي) الا رمزاً لهم - والخائن البيض سوى رأس حربتهم - ومدمنو الارهاب الا رفاق دربهم - لهذا كان القرار في غير محله، وبغير موعده - وبكل المقاييس - فأثار كل هذا الاستغراب، وعكس امواجاً من الاستنكار - لأنه لا يصدر الا عن قائد مثقل بالاخفاقات - قرر محاكمة نفسه - وتحمل مسؤولية فشله - ولو كان الامر كذلك، لقلنا: (لابأس) ولسجل له التاريخ بادرة نادرة - كقائد شجاع قادر على نقد الذات - في زمن زعامات عنترية، تصور هزائمها انتصارات اسطورية - لكن الامر ليس كذلك. فسجل الرجل حافل بالانتصارات المتوالية .. ومن يعمل لا يمكن ان يتوقع الكمال - فالكمال لله - ومعيارية النجاح: تحقيق انجازات هي بحكم المعجزات - لتظل الهوامش الثانوية مساحة قياسية للاستثناءات - لتجاوزات قابلة للتجاوز. فما مبررات هذا القرار، وبهذا الموعد بالذات؟ انه سؤال حائر - الاجابة عليه محيرة، وتبريراته لا تزيده الا حيرة، فعدد السنين لا تدخل في حسابات البشر - الا بقدر فاعليتها من عدمه - لذلك كانت المبررات مردودة والاصل أن يتراجع عن قراره - والذين عزفوا على أوتار هذا القرار ، فظلوا يشككون فيه - حيناً - ليحرضوا صاحبه على اثبات العكس - او يمتدحونه - حيناً آخر - لاغرائه على المضي فيه - إنما يكشفون عن حقد دفين- للخلاص من (المشروع الوطني الذي عجزوا عن اجهاضه، فتلاشت أحلامهم المرضية عن امكانية الانقضاض عليه) ، فاعتبروها فرصة مواتية لاخراج مهندسه عن معترك الحياة السياسية - وبهذا تمهد الطريق امامهم، فالانتخابات الرئاسية على الابواب، وهم البديل الاوفر حظاً، لفرض البدائل المستقبلية.. فتأبطوا شراً - لحشد قواهم لشل حركة (المؤتمر) بعد تجميد الرصيد الشعبي لرئيسه، واستحالة تعويضه على المدى المنظور.. فظلوا يتلذذون بمعزوفة (التبادل السلمي للسلطة) و (مشروعية النظام التعددي) وهي (كلمة حق أريد بها باطل) لأن لها شروطاً ومواصفات - لا اعتقد (ان العقليات الشمولية مؤهلة لها) ولعل أروع ما في القرار انه وضع الطرف الآخر في (محك الاختبار) بمنحه فرصة تعامت عنها الابصار أقول: «تعامت لا عمت» عن ثقة بأن الآخرين يتطلعون للسلطة، وهذه فرصة ذهبية سانحة، لكن (فاقد الشيء لا يعطيه) فعجزهم عن تقديم البدائل الجديرة بكسب ثقة الجماهير - وغياب (البرنامج الانتخابي التنافسي) الاجدر بالثقة - عطَّل إمكانية تلقف المبادرة - والبقاء في وضع (محلك سر) باعتماد الحملات الاعلامية والسياسية المضللة، وترويج الاشاعات - بانتظار اليوم الموعود - انه الرهان على (عدم تراجع الاخ الرئيس عن قراره) واحتساب الامور بدقة - من وجهة نظرهم - يضاعف ركونهم الى استحالة العدول عن قرار اتخذه صاحبه بإرادة محظة، ولأن احداً لن يجبره عليه فلا احد سيجبره على التخلي عنه - وضغوط الدورة الاعتيادية السابقة للمؤتمر التي لم تفلح في ذلك، ستنتهي الى نفس النتيجة - فإن حدث العكس - فتلك مادة اعلامية خصبة ضد هذا الحزب ورئيسه - وهي حملة دعائية لم تتوقف - بل دأبت تستبق الاحداث - لإشاعة (إن كل شيء مدفوع الثمن) حتى لا نستبعد انه لو جاءت (برقيات او مناشدات او رسائل من المريخ لاحتسبوها كذلك).. فالوضع - إذاً - في مأزق، ولا يهم.. المهم كسب الرهان ، ولأن العقول المأزومة تضع فرضيات خاطئة، ثم تبني عليها نتائج نهائية ، فلاشك : ان الموقف الجماهيري لم يدخل في حساباتها- فإن أدخلته فإن حسابات الربح والخسارة تظل حاضرة، فما مصلحة الجماهير حتى تبادر لتغيير هذه المعادلة، أليست الاوضاع الاقتصادية ، والظروف المعيشية، وتضخيم الصورة القاتمة لأزمات قادمة، اموراً تكفي لتحريض الجماهير ضد السلطة؟؟ نعم انها كذلك، لمن يستثني زخم الإرادة الشعبية المستعدة للتضحية بالغالي والرخيص، انتصاراً للمكتسبات الوطنية، فالشعب الذي قدم قوافل الشهداء دفاعاً عن الثورة والجمهورية، ولاسقاط المؤامرة الانفصالية سيظل (فرس الرهان) دوماً ،و مثلما تناسى أزماته وظروفه الطاحنة، فتقاطرت جموعه بمدد شعبي رافد للجهد الرسمي، استجابة لنداء (الوحدة او الموت) ستبقى هذه الصيحة تلهب مشاعره في مواجهة المشاريع الانهزامية.. وهكذا.. تراكمت الضغوط ليستجيب لإرادة شعبية، ظل يبادلها الوفاء بالوفاء، والاستجابة المتبادلة، واثق ان لكل من مفردات هذا التراكم الضاغط دوره في ذلك، فكانت الكلمة المقتضبة التي ألقاها الاخ الرئيس في ميدان السبعين خلاصة لقطع الشك باليقين بعدم تجاهل (المناشدات ، الاحتجاجات، دور المثقفين) كل كلمة شريفة قيلت - شعراً او نثراً - مواقف العلماء ورجالات الفكر والقيادات الاجتماعية والسياسية الخيرة.. نداءات شباب، ودموع الاطفال والنساء والشيوخ.. الخ) ، وهي كافية للعودة الى الاصل، القاعدة ديمقراطية لمدرسة اصيلة اسسها علي عبدالله صالح، هي مدرسة تمنح درجة استاذية وبتقدير امتياز تخرج منها: رؤساء واساتذة جامعات، وعمداء كليات ورجالات سياسة واقتصاد ورجال اعمال وخيرة الوجاهات الاجتماعية، عن قناعة راسخة بشراكة جماعية ، القرارات الفردية فيها استثناء.. فلماذا يأخذ الاخ الرئيس بالاستثناء، على غير عادته، ذلك مالم نألفه منه، ليبدو المشهد وكأن هناك ثلاثة فرقاء في الساحة السياسية - يقف في احد زواياها (اعضاء الدورة الاستثنائية للمؤتمر) ،و في المقابل (رئيسه الذي تشبث بقراره، ولم يبق للآخرين الا هامشاً ضيقاً للحوار مع الذات). وبين هذا وذاك يقف طرف ثالث، واثق ان الدورة ستنتهي الى جدار مسدود، فما الذي يمكن ان يقال داخل القاعة اكثر مما قيل خارجها؟ لتأتي الكلمة الفصل من خارج قاعة الاجتماعات، فتسقط كافة المراهنات لشعب هو مصدر السلطات لهذا احتكم الاخ الرئيس لهتافاته المدوية ولحشوده المتدفقة من كل حدب وصوب، معبرة عن (استفتاء عام لعينة عشوائية واسعة توافدت تلقائياً لتضع حداً للمزايدات ولتحسم التوازنات .. انها تتويج لما قبلها من جهود ضاغطة، متواترة، صبت في نفس الاتجاه ، لكنها اكثرها حيوية.. وافصحها لساناً للرد على التخرصات ، والاجابة على الكثير من التساؤلات .. إذ: - أكدت جماهير الشعب وعياً يفوق المراهنات الطفيلية .. لتبقى الشعارات ارقاماً صفرية على ارض الواقع، فمن يتشدق بالحديث عن المساواة في الحقوق والواجبات، بينما يغلب مصلحة الجماعة على حساب مصالح المجتمع فلا يمكن ان يعدل. - ومن يطالب بتحييد المؤسسات العامة، فإذا استولى على احداها احتكرها حزبياً، وشللياً، فهو مزايد. - ومن ينتقص عقيدة او وطنية من يخالفه الرأي فقد وضع نفسه في مواجهة مع من سواه. - ومن يتحدث عن الفساد، فعليه بالاحتساب الشرعي، وان يحاسب نفسه قبل الآخرين، وإلاَّ فقوله مردود عليه. - ان من يدعي الاحتكام الى الشريعة، فينكر حق الفرد في الخضوع لرأي الجماعة، فقد اغفل اصول التشريع الداعية الى (ان الله مع الجماعة) (ان درء المفاسد مقدم على جلب المنافع) (ان ما بني على باطل فهو باطل) (ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم قرر في غزوة أحد إدارة ما يعرف اليوم ب(حرب شوارع) بالتحصن في المدينةالمنورة) فنزل عند رأي الاغلبية بالخروج، ولم يقل (إن رأيه معصوم، وأنه يعرف سلفاً الثمن الباهض للخروج) رغم انه كذلك - ليعلمنا ان دفع ضريبة الاجماع خير من مخالفة الجماعة. - اذا كانت التعددية خياراً لا رجعة عنه، ،والتبادل السلمي للسلطة ضرورة تعددية - على المستوى النظري، فإن مصير وطن حقيقة لا تقبل المساومة، واستيعاب هذه الحقيقة تقتضي التساؤل: هل هناك معارضة جديرة بالاطمئنان على مستقبل شعب، والواقع «ان معارضة - هلامية - تمثل ثارات سياسية، تحتضن شراكة للنكوس عن (الوسطية بتبني معتقدات متطرفة) وعن (الثورة والنظام الجمهوري بالدعوة لامامة اثنى عشرية او ملكية دستورية) او (العودة الى التشطير) او (فرض اجتهادات أحادية لا تؤمن بالديمقراطية) لا يمكن الا ان تفتح الباب على مصراعيه، لإثارة صراعات تأتي على الاخضر واليابس - واشد ضراوة مما يحدث في العراق - الاكثر مدنية والاقل تسلحاً. لذلك نقول : (نعم لعلي عبدالله صالح) لا بدوافع مصلحية فهو يعلم والمعارضة اكثر علماً من غيرها - انها المستفيدة الاوحد في (المزاد السياسي) و (مراب صناعة الازمات وفن المساومات) وان المستفيدين من داخل المؤتمر هم المحسوبون عليه، والمرتبطون بشراكة مصلحية معها - والخارج عن حسابات هذه العلاقة الشللية، فعليه ان يستعد لتصفية الحسابات .. وان يحتسب: قيمة الذات اجدى من كافة مغريات الحياة. Dr- Ghailan @ Hotmail . Com