المتحاورون في مؤتمر الحوار الوطني باليمن وصلوا إلى نقطة اللا عودة، فلا خيار الآن سوى الإقلاع صوب مستقبل زاهر، أو السقوط في وهدة دمار شامل..!!. أقول هذا الكلام عطفاً على المشهد الماثل الذي أراه أشبه ما يكون بلحظة وصول صعب إلى قمة جبل شاهق، هنالك حيث يمكن أن تتحوّل هذه القمة إلى منصّة انطلاق وتحليق صوب المرجو والمأمول، أو أن تكون مقدّمة لسقوط من شاهق يُدمّر الأخضر واليابس. يدرك كل العقلاء هذه الحقيقة المجرّدة، ويتعامَى عنها البائسون المخطوفون بأوهام اليقظة، ويعرف هذه الحقيقة، كل الحالمين بالمعاني النبيلة لوطن ينعتق من قيوده. إن الطائرة اليمنية المقترحة لا يمكنها أن تطير إلا بجناحين، ولا يمكن أن تصل إلى مبتغاها إذا فقدت جناحاً منهما، ومن هنا أرجع إلى المبادرة الشاملة والمتوازنة التي قدّمها الحزب الاشتراكي اليمني بوصفها مبادرة صادرة عن تجربة حكم مديدة وأخطاء مؤكّدة، بالإضافة إلى تجربة معارضة صُودرت وحُوصرت، فالحزب الاشتراكي اليمني ليس صادراً عن ثقافة سلطة مؤسسية فحسب، بل تطهَّر على مدى سنوات ما بعد الحرب الغاشمة في عام 1994م لينبعث بروحيّة متجدّدة ورؤية ناظرة لمعنى بناء الدولة والمؤسسة، وبطبيعة الحال يتأسَّى الحزب بتجربته النظامية والقانونية التي شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء، كما يتأسَّى بتحالفاته الناظمة لرؤيته الجديدة. وفي هذه المناسبة؛ لا بأس من إشارة إلى أن ذاكرة الاشتراكي اليمني ليست قابعة في تكوينه الراهن فحسب؛ بل أيضاً في روافده الحاضرة في المزاج العام والذاكرة النخبوية السياسية، وخاصة في الصف الراشد للمؤتمر الشعبي العام الذي انحدر «سلالياً» من الاشتراكي، علماً أن اشتراكيي المؤتمر ليسوا جنوبيين فحسب بل شماليون أيضاً. فالجغرافيا السياسية اليمنية التاريخية لم تعرف الشمال والجنوب بالصفة التي نتحدّث بها اليوم، ويمكن لمن أراد معرفة ذلك مراجعة تاريخ نشوء وتطوّر التيارات السياسية المختلفة في شمال اليمن وجنوبه ليرى بعين اليقين أن كل المشاريع السياسية اليمنية نشأت موحّدة الهوى والهويّة، وأن ما طرأ من نتوء رديء على هذه الجغرافيا سببه ممارسات النظام الذي حوّل وحدة الحياة والنماء إلى وحدة موت وقبور. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك