صباح كل يوم جديد وأنت في طريقك إلى العمل.. ستمر على كشك بيع الجرائد، ستطالع عناوين الصفحة الأولى لكل صحيفة بشكل سريع، قد تصاب أذناك بالاحمرار الشديد ! أول ما ستسمع في نشرة الصباح عبر الراديو إحصائية قتلى الليلة الماضية، ستصاب بالقولون والقرحة، ستصل إلى مكتبك وبدلاً من أن يبادلك زميلك في العمل بعبارة صباحك جميل.. يبشرك بخبر حادثة انفجار- اغتيال- مواجهات - نسف أنبوب نفط – الكهرباء – فتح جبهة للقتال في محافظة يمنية جديدة.. هنا دماغك يصاب بالانحراف و الإعياء.. أن كنت مصاباً بالضغط سينخفض تصاعدياً. تبدأ تقلب أوراق العمل على مضض.. كل ما تعرض له عقلك من غسيل وأخبار وفاجعات حتى الآن ليس بالأمر السهل، ثم ستواصل العمل حتى آخر الدوام . ستركب الباص في طريق عودتك إلى المنزل وقت الظهيرة ، ستسمع الناس يتحدثون عن أمور السياسة وعن شيطنة الحزب الفلاني وخبث السياسي الفلاني وهكذا .. ربما قد تسمع واحداً من هؤلاء يلعن نفسه أولاً ثم يلعن ما تبقى من إجمالي التعداد السكاني للشعب. هذا الأخير اعذره تماماً لا ترد عليه إطلاقاً.. قل له انه على حق.. وان ما كل ما يقوله كلاماً مهماً وخطيراً ، حاول أن تقدر حالته فلربما يكون صبره قد نفد ، وخنقه هم أولاده الصغار حينما سبقهم بالخروج من المنزل وقت ذهابهم إلى المدرسة صباح اليوم تفادياً منه لأن يعرضوه للإحراج أمام زوجته ، عندما تسمعهم يطلبون منه مصروفهم اليومي التي قطعها عليهم منذ عام نتيجة توترات الأحداث والمشهد السياسي في بلاده ، والتي كانت سبب تركه للعمل فيرد عليهم بعدم قدرته على إعطائهم مصاريفهم ويشعر بنقص رجولته أمامهم وزوجته . في الشارع القريب من منزلك ستصادف امرأةً كبيرة على الرصيف ومعها أولادها الأربعة، تبحث لهم عن وجبة غداء، ستقطع الرصيف من أمامهم وسيبتسم الأولاد الصغار في وجهك وستغرق الأم في الحياء والخجل، لا عليك من هذا كله.. فثلثي الشعب من الأطفال والنساء والمجانين يعيشون في الشوارع وفي مخيمات النزوح وما تبقى في الغربة والحدود. ستعود إلى المنزل، سيحدثك ابنك الأكبر محمد بأن صديقه عبدالله في الكلية كان لديه دراجة نارية ويعول بها أسرة بكاملها وبعد أن تم إصدار قانون منع الدرجات النارية في العاصمة ترك عبدالله الكلية وراح يفتش له عن عمل آخر يقدر من خلاله مواصلة العيش والحياة هو وأسرته بقليل كرامة وعزة نفس . عذراً أنا لا أريد أن أشعرك بالإحباط هنا، لكن هذه هي أوجاع الملايين من اليمنيين التي اسمعها وابصرها واشعر بها كل يوم وتجبرني أوجاعي بالمقابل على الكتابة . الأغنياء في بلادنا يزدادون ثراءً وأموالاً وسلطة ونفوذاً كل يوم .. ووحدهم الفقراء إلى الله يستمرون في المرابطة من اجل البقاء كل يوم ، منهم من أودت به الأمور إلى الانتحار شنقاً كما حدث مع شاب في مدينة الحديدة قبل أيام .. وحدث في صنعاء أن رمى احد الآباء بنفسه مع اثنين من أولاده الصغار من بلكونة الطابق الخامس، تتحدث الأرقام بان اكثر من 8 ملايين يمني ينامون بدون وجبة عشاء .. ثورة جياع تلوح في الأفق هذه المرة ، لن ترحم احداً، ما زال لدينا فرصة أخيرة لكنها ليست طويلة .. الحكومة -الصحفيون - المسؤولون - السياسيون - رجال الاقتصاد - المثقفون - رجال الأعمال – الجميع مطلوب منهم ملامسة أوجاع الناس المعدمين.. والاشتغال بتحسين أوضاعهم وإنقاذهم وليس إقحامهم في صراع الطوائف و المناطقية . في الجنوب و الشمال المظلومون سواء.. لكن الجناة هم انفسهم .. لسنا ناقصين وجع رأس اكثر من أوجاعنا التي فينا ونعاني منها صباح مساء .. لنخرج بحل وسط وعادل ونتفق عليه بنوايا صادقة .. لنكن أقاليم ، لنكن ما نكون المهم أن ننقذ البلاد والعباد من أمور كارثية قد تحدث وتذهب باليمن والشعب إلى ما لا يحمد عقباه . .. لا تقلقوا كثيراً مثلي رجاء.. سننجو صدقوني.. المسألة مسألة وقت ليس إلا.. كونوا جميعاً بخير . [email protected]