تحت حرارة شمس الظهير اللاذعة وعلى رصيف تقاطع شارع الزراعة بالقرب من وزارة التخطيط، استوقفنا نحيب امرأة كبيرة في السن، كانت تبكي بحرقة شديدة وتمسح دموعها المنهمرة بشدة من تحت اللثام على استحياء، حينها كنت مع الزميل الصحفي محمد الجرادي وإلى جانبنا سائق دراجة نارية هو الأخر استوقفه حال المسكينة في العراء. تناولت الكاميرا من الزميل محمد لالتقاط صورة للوالدة وأخذ بعض التفاصيل منها، لكنها رفضت ان نقوم بتصويرها أو نقل شيئا عنها، وهذا الذي زادنا الماً وحرقةً.. امرأة مسنة تحمل في احشائها جنيناً لربما تنتظر ساعة المخاض الاخير على رصيف الشارع تحت حرارة الشمس بعيداً عن غرف التوليد المكيفة. أخبرنا سائق الدراجة النارية الذي سبقنا في الاستماع إلى بعض أوجاع المراءة المسكينة بان صاحب البيت الذي تسكن لديه قد قام بطردها واخراجها من البيت لسبب عجزها عن دفع الايجارات المتراكمة عليها على طريقة نفس الرجل الذي رمى بنفسه واولاده من بلكونة الطابق الخامس قبل ايام لنفس المعاناة والاسباب وشحة الظروف الاقتصادية لهؤلاء الناس. يا ألهي ما هذه الوحشية التي تحيط بهؤلاء الناس البسطاء الفقراء اليك من كل جانب، لا أدري ما ذنبهم وهل يستحقون كل هذا العقاب والقسوة والالم، لا أحد يلامس اوجاعهم واناتهم وهموهم، الاغنياء المترفون يزدادون ثروة ونفوذ والفقراء المعوزون يزدادون أعداما وفقراً وبلاءً كل يوم كل يوم. لقد شعرت بكبد عميق أنا والزميل محمد الجرادي، ونحن نشاهد حالة المراءة السكينة دون إن نملك أي حيلة نقدر مساعدتها سوى التقاط صورة لها وأخذ بعض المعلومات عنها من أجل الكتابة عن حالتها مثلاً ونقل قصة معناتها ولكنها رفضت وبعزة نفس المحتاج الذي يحبس اوجاعه لنفسه بكل عفة وطهر وشرف. لقد غادرت أنا ومحمد ونحن نتسأل عن المستقبل المجهول الذي ينتظر آلاف الاطفال القادمون من بطون مئات الامهات التي ترتشف الكراتين المهترئة على ارصفة الشوارع والاسفلت، بحثاً عن لقمة عيشها بعيداً عن معارك الساسة واختلافات قيادات المركز على كراريس السطلة والمحاصصة، متجاهلين مسؤولياتهم جميعاً عن حياة مثل هؤلاء النساء الحوامل ومثل هؤلاء الفقراء والمعدمون الذي طفح بهم الكيل وضاقت بهم الارض وهم يدفعون الايجارات طوال عقود سنينهم الماضية وتكون نهايتهم الانتحارات الجماعية والهروب من هذا الواقع المؤلم والقاسي.