شعرت بالاطمئنان وأنا أتابع الجلسة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني الذي أثبت من خلاله كل المتحاورين إصرارهم على استكمال سيرهم نحو المستقبل ونحو إقامة الدولة اليمنية الجديدة التي حلمنا بها جميعاً وخرج الشعب اليمني في ثورته العظيمة يطلق الشرارة التي كانت هي المحرّك الحقيقي لمستقبل هذا الوطن. علّمنا التاريخ أن الإنجازات العظيمة كانت مجرد حلم صغير كبر على إيقاع إرادة صلبة، وهاهم اليمنيون اليوم بعد أن مرّوا بمحطات التعب والفشل واليأس أحياناً وصلوا إلى حقيقة أن هذه المحطات لا يمكن التوقف عندها طويلاً طالما نفوسهم معمورة بالإرادة والعزم والتصميم. إنني هنا أتحدّث عن الإرادة التي يجب أن نتحلّى بها جميعاً وخاصة في المرحلة القادمة حتى نكسر القيود التي أحاطت بالكثير منا، فإرادتنا نحن من نتحكم فيها ونوجّهها وهي من خصوصية الإنسان الذي كرّمه الله بها عن بقية المخلوقات. ولذلك نحن مطالبون بتغيير طريقة تفكيرنا نحو المستقبل، فكلما كان تفكيرنا إيجابياً كانت النتائج إيجابية، وكلما كان تفكيرنا فيه نوع من التردُّد والشك فإننا سنحصل على نتائج ناقصة، والتفكير السلبي بلا شك سيؤدّي إلى نتائج سلبية. ولذلك فإن الكثير من المواقف سواء على المستوى الشخصي أم الجماعي كُتب لها الفشل؛ ليس لأننا فاشلون؛ ولكن بسبب افتقار هذه المواقف إلى أهم مكوّنات النجاح وهي العزيمة والإرادة والتي دونها ستتبلّد أحاسيسنا وسيتوقف طموحنا. أقرأ بإعجاب شديد قصة التجربة الكورية في بداية الستينيات من القرن الماضي حيث كان بلداً فقيراً متخلّفاً يعيش على الزراعة وتصدير الأسماك والألبسة ذات المستوى الرديء، لكنها قرّرت التحوّل من بلد فقير إلى بلد صناعي يزاحم بمنتجاته الدول الصناعية الكبرى، والسبب وراء كل ذلك هو الإرادة والعمل المتواصل والمتناغم في إحداث هذا التغيير. الإرادة الحقة لا تعرف اليأس ولا تؤمن بالصراعات، كما أنها لا تعرف الانتقام، فكما تقول الحكمة الأوروبية القديمة: «حيثما كانت الإرادة موجودة في النفس؛ كان القدم أكثر خفة». الإرادة أيها الأعزاء هي التي جعلت دولة صغيرة ممزقة كفيتنام تخرج من ركام الحروب وتتفوّق على البرازيل، والإرادة هي التي صنعت دولة كانت قائمة على المستنقعات كسنغافورة لتُدهش العالم باقتصادها القوي وطفرتها الحضارية، الإرادة هي التي جعلت من دولة صغيرة في قلب الصحراء تعيش على رعي الإبل والأغنام وصيد الأسماك لتصبح خلال 4 عقود مركزاً اقتصادياً عالمياً وسياحياً؛ إنها الإمارات العربية المتحدة. لذلك نقول دائماً ونكرّر إن قوة الإرادة هي وقود الهمّة العالية، وتحقيق الإنجازات التي نحن في صددها وترجمة مبادئ وأهداف الحوار الوطني بحاجة إلى همّة عالية وعزيمة قوية تتهاوى معها كل المثبّطات والعوائق. نريد أن نتعامل مع الكثير من ملفاتنا المعطّلة بإرادة وطنية وعقلانية مخطّطة قادرة على الاستفادة من مخرجات الحوار الوطني، إنه أمل يجب أن يعمل جميع اليمنيين من أجله مهما كثرت العقبات والتحديات. المستقبل بإذن الله يسير لصالح خير هذا الوطن؛ لكنه يتطلّب منا جميعاً علو الهمم وشحذ العزائم والنظر إلى المستقبل بإرادة قوية.