بداهةً إن اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية وأسماها وأرقاها دالاً ومدلولاً، واشتقاقاً وإعراباً وتركيباً.. بل هي من أرقى لغات العالم قاطبة، ولكن أبناء جلدتها هم من أساؤوا إليها بإهمالها وخاصةً الذين رضعوا من ثقافات وعلوم الغرب.. والمراد هنا باللغات السامية، هي اللغات التي تكلم بها نسل سام بن نوح، ولكن الحقيقة التاريخية تؤكد أنَّ اللغات السامية التي تداولت منذ آلاف السنين إلى الآن هي السريانية، والعبرانية، والعربية.. ولكل لغة من هذه اللغات خصائصها النحوية واللغوية والتركيبية والاشتقاقية.. فاللغة دائماً وأية لغة في العالم عرضة للتغيير والتحديث نحتاً وقلباً وإبدالاً.. ومدلولاً عمَّا تفاهم به أجدادنا وآباؤنا الأوائل السابقون.. فالقرآن الكريم حافل بالألفاظ المعربة منذ أقدم العصور، إذ نجد الكثير من الألفاظ غير العربية في القصائد الجاهلية التي وصلت إلينا عن طريق الرواية.. منها: الكعك - السميد - الجلنار- الدولاب .. وغيرها «أصلها فارسي» .. ومنها: فلفل - صندل - شطرنج - جاموس.. «أصلها هندي».. ومنها : قنطار - ترياق - قبان و«أصلها يوناني».. ولكن الباحثين اختلفوا في وقوع المعرَّب في القرآن الكريم لنزوله بلسانٍ عربي مبين.. مصداقاً لقوله تعالى :«إنا أنزلناه قرآناً عربياً» الزخرف أية «51».. أما الذين ينكرون وجود ألفاظ أعجمية أو معرَّبة مكابرون ومخطئون .. لأن أية لغة في العالم تؤثر وتتأثر بما حولها من لغات وثقافات ومصطلحات حضارية وعلمية وتكنولوجية.. فالذين يرفضون هذه الفكرة إنما يريدون لهذه العربية الموت والفناء الشامل.. فأية أمة من الأمم لا تستطع أن تعيش بمفردها عن ثقافات وحضارات وعلوم وفنون ولغات العالم لابد من التأثر والتأثير.. وبالأخص في ظل عولمة الثقافة وثورة المعلومات والاتصالات.. فاللغة الإنجليزية في عهد شكسبير تختلف اختلافاً كبيراً كما هي عليه الآن من تحديث وتطوير، فدخلت ألفاظ جديدة مواكبة لروح العصر.. ومسايرة للعلوم الحديثة.. لذا علينا أن نفرق بين التعريب والتغريب. فالتعريب له عدة تعاريف منها: نقل اللفظة من العجمية إلى العربية.. أو تعريب اللفظ الأجنبي الذي غيَّره العرب بالنقص أو الزيادة أو الإقلاب .. أما التغريب: تدمير وتمزيق للغة العربية، لأن الألفاظ الدخيلة قتل للنص.. فإذا سألنا أي أعرابي من البدو عن كلمة «مذياع» أو «هاتف» أو «سيارة».. فإن هذا البدوي الساذج على الرغم من تخلفه وجهله لهذه الآلات المستحدثة يستطيع أن يستنبط من مادة الكلمة الأولى معنى «الذيوع»، ومن مادة الكلمة الثانية معنى «الهتاف».. ومن الثالثة معنى «السير».. أما الاقتباس سنة طبيعية بين لغات العالم وشعوبها منذ غابر الأزمان.. وما من لغة في العالم تستطيع أن تدعي أنها خالية من الألفاظ الدخيلة أو المعرَّبة.. علينا أن ندرك أنَّ حركة العلم والثقافة والحضارة دائماً في تطور مستمر.. وحراك متجدد.. حتى أن المصطلحات العالمية المتخصصة تبلغ الآن أكثر من الملايين في شتى صنوف العلوم والمعارف والفنون.. وغيرها من العلوم الحديثة.. ومن هنا نستطيع أن نقول: إنَّ الاقتباس، أي التعريب أمر لا مفر منه.. وواقع لابد منه.. شئنا أم أبينا.. ولكن ما علينا إلا مراعاة قواعد وأصول اللغة، والأخذ بأقرب نطق إلى العربية ما أمكن ذلك.. لذا لا خوف على اللغة العربية من الاقتباس.. فلغتنا العربية غنية وثرية بألفاظها وحروفها ومعانيها، ومآثرها الخالدة.. وما علينا إلا أن نتخلى عن فكرة عقيمة رسخها الاستعمار قديماً وحديثاً في أذهان هذا الجيل، تزعم أن اللغة العربية عاجزة وقاصرة عن أن تكون لغة العلم الحديث.. فهذا هراء وافتراء.. فاللغة العربية قادرة على التجديد ومواكبة لكل جديد في شتى العلوم والفنون والمعارف شريطة التنسيق مع جامعة الدول العربية، ومجامع اللغة العربية في الوطن العربي.. وأهل مكة أدرى بشعابها...!! وكان الله في عون اللغة العربية والناطقون بها..!!