في أربعينية الأستاذ المؤرخ اليمني عبد الملك الشيباني التي أحياها مشكوراً منتدى الجبلي للثقافة، وجدنا الكثير من الجوانب المشرقة للفقيد رغم معرفتنا به، تبقى جوانب أكثر بهاءً ربما لم نرها كما ينبغي، بينما نقلها الكثير من تلاميذه ومحبيه بصورة اكثر وضوحاً.. الشيباني من الشخصيات القليلة التي أعطت ولم تأخذ، فالرجل كان يتحاشى الأضواء والاقتراب من مصادر السلطة المحرقة، وكغيره من المفكرين كان يرى في مراكز الحكم مراكز للإفساد والاحتواء وإفراغ العقول من محتواها وكم يا مثقفين فرغوا من محتواهم عندما ضمهم الحاكم العربي الى جناحه وأصبحوا مثل السنبلة الفاسدة والموزة الخاسع.. أفضل القادة هم أولئك الذين يعيشون في أوساط جنودهم، وأفضل المعلمين هم أولئك الذين يلقون الحكمة من بين صفوف الطلاب. لقد كان الشيباني ينفر من المنابر والمنصات والكراسي ويعشق الشارع والرصيف وعامة الناس دون تكلف وهي طبيعة الحكماء والفلاسفة، وكان الشيباني فيلسوف البساطة والبراءة والعشق للإنسان البسيط.. ينفر من التطرف ويعشق الاعتدال، يحب الأزهار الطبيعية ويخاف من الاقتراب من الورود الصناعية، لأن فيها سموماً مخفية ولا فائدة تُرجى ولا رائحة. تعلمنا منه عدم الأخذ بكل المنقول في التاريخ، فكم يا حقائق شوهت وكم ياشخصيات ظلمت وحكم عليها بالزندقة وهي تحمل الإيمان ومعاني الحكمة وكنوز المعرفة، بفعل الخلاف السياسي ولأن التاريخ يكتبه المنتصر في الغالب الأعم، هناك جوانب في شخصية عبدالملك الشيباني كما هي في الكثير من الراحلين في هذا البلد الذي يتجاهل عظماءه بحاجة إلى توثيق للأجيال، فنحن بحاجة إلى قيم وأخلاق مكسوة بالعلم والتواضع والبساطة المتدفقة بالعطاء والمعرفة والحب ويعمل لها توثيقاً ودراسة بهذه الشخصيات لكي نثري مكتبة الأجيال القادمة سواء تلك الشخصيات القيادية العسكرية والسياسية أو تلك الثقافية والعلمية وهي كثيرة وعظيمة رحلت دون أن تترك شيئاً سوى عطائها وأثرها المتراكم في توعية الأجيال وتحررها من قيود الماضي. كان بعض الشباب قد طرح أن يُكرم عبدالملك الشيباني كشخصية تاريخية وثقافية في مدينة الثقافة عن طريق طباعة كتبه والترويج لمحتواها الثقافي وإطلاق اسمه على إحدى كليات جامعة تعز كأقل ما يمكن فعله، مع قامة علمية وهو تكريم للأجيال والثقافة ومكانة محافظة الثقافة بالأساس برموزها الثقافية والسياسية وقيم الحرية والعدالة التي حاربوا من أجلها. نحن نأمل في مدينة الثقافة أن تبدأ بتكريم أبنائها وإنعاش تراثهم وسيرتهم، لنرى أشياء من هذا القبيل عن عبدالملك الشيباني وعبدالرقيب عبدالوهاب نعمان ومحمد علوان مفلح وعبدالقادر سعيد والنعمان الابن والأب ومحمد علي عثمان وعبده محمد المخلافي وعيسى محمد سيف على سبيل المثال، فلدينا الكثير من العظماء الذين لايعرف أحد سيرتهم وطمروا إهمالاً وعمداً بسوء نية وبحسن نية لافرق. نحن بحاجة إلى نبش الذاكرة لنصنع أرشيفاً للمبدعين والقادة والمفكرين والعلماء في هذه المحافظة الثقافية السياسية ونضمها إلى سلسلة القادة والمبدعين في عموم الوطن، فعاصمة الثقافة إذا لم تنصف أبناءها فلن يكون لها أثر ولا بركة وستتحول من عاصمة الثقافة إلى ما يحب البعض أن يطلق عليها عاصمة «اللقافة» بكل ما في هذا من خفة وإسفاف. يبقى أن نسجل هنا شكراً خاصاً للدكتور الجبلي، ليس على حرصه على إحياء الثقافة في منتداه فحسب، بل لتكفله بطباعة الكتب التي لم تطبع بعد للأستاذ الشيباني. [email protected]