منذ انقضاء مؤتمر الحوار الوطني وحتى اللحظة مازال الجميع منشغلين بسؤال عقيم مفاده: وماذا بعد الحوار؟ وكأننا مكتوب علينا فقط أن نكون أتباعاً ويُرسم لنا مسار كل خطوة قادمة ونعجز أن نرسم لأنفسنا مساراً خاصاً بنا وبمجريات واقعنا الراهن, بل نصر أن نقف فقط موقف العاجزين عن تغيير واقعهم يكبلنا الخوف والجمود حتى النخاع.. فإلى متى نصر فقط أن نؤدي دور المتفرج الأبله ونصرّ أن نظهر أمام أنفسنا بمظهر البريء والضحية؟ وكأننا استمرأنا هذا التابوت الذي حشرنا وسطه من استطاعوا وبمكر إقناعنا أننا مجرد كائنات لا دور لها إلا السمع والطاعة والانقياد لمن يحملون مقصلة أحلامنا بأطراف مناشيرهم وفي جذع أنيابهم الحداد الشداد.. لماذا نصر أن نخذل أنفسنا حين يكون مفترضاً علينا أن ننتصر لكينونتنا وحقنا في أن نكون نحن لا غيرنا, أن نفكر «نحن» وننجز «نحن»، ونشكل حاضرنا ومستقبلنا وخطانا «نحن» لا سوانا.. فإن كنا نريد أن ننتصر لأنفسنا علينا أن نجيب على هذا التساؤل ونقول بملء قناعتنا: إن ما بعد الحوار هو «نحن» ..قلنا: إننا نريد أن نشكّل وطناً حقيقياً، فكيف نريد أن نشكّل هذا الوطن ونحن أساساً نقول مالا نفعل ولسنا صادقين في نوايانا.. نقول: نريد وطناً بينما يعبث العابثون كلّ من جهته في كل شبر من الوطن وعلى هواه وعلى مقاس خبثه وبعدها نأتي لنتساءل: ماذا بعد الحوار؟؟ المتحاربون يعبثون كما يشاءون، يحرقون الأرض والحرث والنسل. يشتتون ويقطعون ويروعون ويرعبون ويفنون الحياة بكل أشكالها ويتبرأون من كل لغة سلام وولاء لتربة بلادهم ويراهنون على هدم المعبد على القاصي والداني وفي النهاية يتساءلون: ماذا بعد الحوار؟ حتى على مستوى المواطن العادي في الشارع وفي البيت وفي الوظيفة والدوائر الحكومية يعبث ويؤجج وكأنها مرحلة لا إنسانية مطلقة وعدم إحساس بالمسؤولية وعجز تام عن تشكيل الضمير اليمني الحي ويأتي ليتساءل: ماذا بعد الحوار؟.. متى سنقتنع أن ما بعد الحوار هو «نحن» ونبدأ بمسؤولية وطنية تأسيس وطن ما بعد الحوار المتمثل فينا «نحن» ونؤسس لثقافة جديدة غير الثقافات التي ألفناها مسبقاً والتي كانت تتلخص في العشوائية واللا ضمير وطني واللا إحساس بمسؤولية الوطن وبنائه بشكل صحيح يعمل على رقية ورفعته, كنا فقط أدوات لخدمة الأشخاص قبل خدمة وطننا, نريد أن نؤسس ثقافة جديدة ليس فيها تبعية لأحد ليس فيها انقياد لأحد إلا لنهضة الوطن, ثقافة ليس فيها عجز وخمول واتكال, ثقافة البناء والإنجاز والإبداع دونما انتظار لمن يقول لنا: اعملوا فسيرى أعمالكم الشيخ الفلاني والمسؤول الفلاني والحاكم العلاني والسارق الفلتاني والناهب الزعطاني, نريد ما بعد الحوار أن نؤسس لثقافة أن تكون مكاتبنا الحكومية كخلية نحل من بداية الدوام حتى نهايته من أهدافها حب ما تعمل كي تعمل ما تحب وتخلو من الوساطات والرشاوى والفهلوة وأكل الضعيف، ونهش لقمة عيشة بلؤم وخديعة.. أن نؤسس لثقافة أن التجارة ليست تهريباً وشطارة ومزايدة وسحق لأمعاء الفقراء الكادحين, أن نؤسس للعلم ونرفع منسوب ركوده وجهله, ثقافة أن تكون مستشفياتنا ملجأً وملاذاً للفقير البائس يجد فيها العافية والقلوب الرحيمة، لا أن يخرج منها مكفناً على يد ملائكة عذاب لا رحمة, ثقافة أن ندخل قسم شرطة ونشعر فعلاً بالأمان وليس كأننا دخلنا لوكر عصابات ومافيا رعب دائم, ثقافة أن رجولتك ليست بسلاحك ولا ببندقيتك، بل بعقلك وفكرك وطموحاتك وإبداعك, نؤسس لثقافة أن ندخل المحاكم ونجد العدل والإنصاف لا أن نلقى أفواهاً جائعة وكروشاً لا تشبع ولا تقنع، نريد أن نؤسس لثقافة أن يستطيع أصغر موظف رفض أي قرار لا يتماشى مع اللوائح والقوانين, نريد أن نؤسس لثقافة أن أصغر عسكري يستطيع أن يُحضر أكبر شيخ كي يمثُل أمام القضاء بمبدأ أن الناس سواسية أمام القانون. كل هذا مجتمع هو ما بعد الحوار أيها اليمنيون العاكفون على انتظار الفرج وانتظار من يفكر لكم ويقودكم بمبدأ العصا والجزرة ويقودكم إلى المهالك، وأنتم بأيديكم النجاة كل النجاة؟ فهل من مجيب يا ترى؟