ثمة إحساس يصيبك بالحزن حين تعقد مقارنة بين الثورة بقيمها الإنسانية النبيلة الموقظة للضمائر والمحرّكة للطموحات والأحلام الكبيرة التي نتطلّع إليها، وبين الفوضى الحاملة للنزق والغطرسة والجهالة والاستكبار وإشاعة ثقافة الاحتراب والصراعات المدمّرة للمجتمعات، وكيف يستميت أبناء مجتمعنا في حمل ألوية الفوضى والذهاب بالوطن إلى المجهول. إنك في الحقيقة تعقد المقارنة المؤلمة بين العقل واللا عقل، تظل تطرح الأسئلة المفصلية التي تبحث عن إجابة وتفتش عن بقايا حكمة وضمير جمعي فاعل، لكن رجع الصدى هو من يجيبك عمّا تسأل وكأنك تجيب عن أسئلتك بنفسك. في مجتمعنا اليمني كل شيء يبدو وكأنه تحرّكه مسميات تقبع خلف الكواليس والأشخاص والأحزاب والقبائل والمؤسسات، مازالت تلك الأيادي تحاول وبنزق وصلافة ترتيب الأوضاع وفق خارطة ظرفية يتم التحكم بها من قبلهم وبما يخدم مصالحهم ويقلّل من الضغط أو الخسائر عليهم. الصراع الحزبي المحتدم سواء بشكل مباشر أم من خلال أنصار كل منهم سيدخل المجتمع اليمني في متاهات تشغله عن برامج الإصلاحات والتحوّلات التي يحاول الولوج إليها، الأمر الذي ينذر بخطر قادم أكثر فوضوية ودموية مما سبقه؛ خاصة أن تلك المماحكات والصراعات تفتح الشهية الإقليمية لاستخدامها في تحقيق ما لم تستطع هي تحقيقه بشكل أو بآخر. لذلك كان لابد على القيادة السياسية وكل الخيرين التنبُّه المبكّر والسريع لتلك الإفرازات المسمومة التي يتم التجهيز لها من قبل الأطراف المتصارعة في الساحة بحجة الصراع من أجل البقاء والهيمنة. وعليه فإن العمل المؤسسي المنظم سيؤدّي إلى قطع الطريق أمام مثل تلك التداعيات والأحداث التي تحاول بكل نزق وجهالة إعاقة سير المرحلة الجديدة في حياة شعبنا اليمني. المشكلة الأكثر أسفاً وحزناً هي أن الأحزاب والجماعات التي تدّعي حملها الإسلام هي التي تقع في تلك الأخطاء بشكل دائم، كأن المُخرج يتعمّد أن تظهر تلك الأحزاب والجماعات بتلك الصورة العبثية والفوضوية والدموية وسعيها المستميت للا نظام واللا دولة؛ بل ارتباطها المخزي بالخارج وقيامها بكل ما يمليه عليها من مطالب تخريبية مقابل بقاء التمويل واستمراريته. إن ما نعلمه من سماحة الإسلام لا نلمسه في دعوات تمثيله المتعدّدة التي تدّعي ذلك في عالم اليوم سواء في الساحة اليمنية أم غيرها - إلا من رحم الله - وكان تناقضاً حاصلاً بين روح ووسطية الدين الإسلامي وبين فهم المسلمين له وقدرتهم على محاكاته في الواقع وتمثلهم قيمه وأحكامه وطريقة معالجته للسلوكيات والاختلالات والأخطاء البشرية التي تحدث في حياة الإنسان اليومية. لذلك ما نراه هو أن الجميع يرفع شعارات تستند إلى الدين الإسلامي كعامل تقوية لإقناع الجماهير بنزاهة ومصداقية مشروعه السياسي، وطريقة مشاركته الاجتماعية، الخوف أن ينعكس ذلك الاستخدام السيئ لقيم الدين وأماكن العبادة فيتحوّل إلى صور مشوّهة يتم استخدامها ضد الإسلام وضد اليمنيين معاً. على الجماهير اليمنية ألا تنساق إلى تلك الدعوات بحجة الاستفادة أو الانتقام حتى لا نخسر أكثر مما قد خسرناه ونحن نبحث عن الطريق إلى اليمن الجديد. [email protected]