من يراقب المشهد السياسي اليمني وردود الفعل السياسية التي تصدر من كثير من السياسيين تجاه الكثير من القضايا والقرارات التي تثار يصاب الإنسان بحالة من الغثيان الشديد للحالة المتردية التي وصل إليها السياسيون وحالة الغوغائية والتهريج السياسي الذي يُمارس تجاه العديد من القضايا الوطنية بداية من اللحظة الأولى لمؤتمر الحوار ومروراً بالمخرجات وموقف جمال بن عمر منها والهجمة الشرسة التي تلقّها الرجل؛ وانتهاءً بفكرة الفيدرالية والأقاليم وقرار مجلس الأمن 2140. ونحن في كل مرحلة نقيم الدنيا ولا نقعدها، ويزايد كل منا على الآخر من خلال كم التصريحات والتحليلات البعيدة كل البعد عن التحليل الدقيق للقضايا الوطنية ومتطلبات المرحلة؛ كل ذلك تحت دعوى الوطنية والغيرة وامتلاك الحق المطلق. لقد أصبح الشعب اليمني يعيش حالة من الشك في كل ما يردّده السياسيون؛ بل أصبح غير قادر على هضم الكثير من المصطلحات والمفاهيم التي يروّج لها، خاصة في هذا الوقت الذي يمر الوطن بأحلك الظروف وتمر العديد من مؤسساته بحالة احتضار حقيقي دون أن يقدّم هؤلاء السياسيون أي حلول تذكر لإنقاذه سوى التشكيك والمراوغة وعرقلة السير بالوطن إلى الأمام. إن الكثير من المواقف السياسية التي تُعلن تجاه ما يحدث داخل الوطن في مجملها لا تمتلك مرجعيات ثابتة، ولا تحمل معها تصوّرات وحلولاً ناجعة لما يجب أن يكون؛ بل هي لا تعدو أن تكون عبارة عن حالة من المهاترات والتشنجات وفرد العضلات على الآخر بغرض الإبهار الإعلامي وتسجيل المواقف أمام الرأي العام، وفجأة نجد هذه الأصوات تخرس وتبدأ بالبحث عن مبرّرات وأسباب لإنقاذ مواقفها وتجميل تصرفاتها المستفزّة. كم هو مؤلم حينما نسخّر العمل السياسي من أجل المصالح الخاصة، حتى وإن كانت على حساب الوطن وتنميته ومستقبله، فبناء الأمجاد السياسية على حساب الوطن في عرف الشعوب يسمى «تهريجاً سياسياً» فلا تشعلوا الفتن وتخلقوا الصراعات والانشقاقات في صفوف الوطن وتوهموا الشعب بأنكم تملكون الحقيقة المطلقة وتتباكوا على سيادة الوطن وأنتم في حقيقة الأمر مغيّبون وبعيدون كل البعد عن مصلحته. لقد أصبحت العقلانية في العمل السياسي عندنا كيمنيين عُملة نادرة لتحل محلها الفوضى والمغامرة والشطط وعدم قبول الآخر، وهذا هو التهريج بعينه، للأسف تهريج في التفكير، وتهريج في المواقف والأداء؛ وهو مؤشر خطير لحالة الإفلاس والفراغ السياسي الذي تعيشها الكثير من نُخبنا السياسية. نحن مطالبون جميعاً بضبط إيقاع خطابنا وتصريحاتنا السياسية بحيث ننبذ من قواميسنا مصطلحات التخوين والارتهان والاستقواء، ونعمل جميعاً على تقديم تصوّرات وحلول للمرحلة القادمة. ما نتمنّاه جميعاً من كل المخلصين والأوفياء لهذا الوطن هو الترفع عن المكايدات والمزايدات السياسية التي لا تقدّم للوطن الخير، والعمل على توحيد الجهود من أجل الارتقاء بهذا الوطن والسير به إلى بر الأمان.