التسامح والتصالح من قبل الضحايا، وأهل الثورة الشعبية السلمية، ومراحل الصراعات الأخرى لا يعني التهاون والتسطيح؛ بل يعني الاعتراف بالخطأ والخطيئة، ليس فقط لقتل الثوار والهجوم عليهم، بل على سوء إدارة “الحاكم السابق” وتسخير ثروات الوطن طيلة حكمهم للإفساد، وكذا سوء الاختيار للقيادات، ونشر ثقافة الكراهية والسيطرة والولاءات القبلية والمناطقية. وينبغي علينا التذكُّر والتذكير بذلك واتخاذ الآليات لإيقاف ذلك العمل والنزيف للكفاءات الوطنية إلى الخارج، وخارج مصلحة الدولة اليمنية، وتقدير حجم خسارة الاستثمار التعليمي في الإنسان اليمني ثم رميه في سوق التهميش، ومن ثم خروجه إلى سوق العمل الخارجي. إن التسامح والتصالح لا يعني التنازل؛ بل تظل الحقوق في المحاكمة قائمة، ولكن هي قيم التسامح وجبر الفرد من أجل الوطن مطلوب، ولتمشي سفينة اليمن المحملة بقيم العدالة والمساواة ومتطلبات الحياة للأبناء من الصحة والتعليم والعمل. لن تنسى أم استشهد ابنها وهي مكلومة به وقد حملته 9 أشهر ورضعته وربّته وحسبها أنه فداء للوطن، ولن تنسى الزوجة ترمُّلها، ولا للأبناء اليتم، وأعباء الحياة بفقدان المعيل. إن تقادم الحدث لا يعني النسيان، وأتذكّر زوجة وأماً فقدت زوجها وخرجت إلى معترك الحياة تربّي وتطعم وحيدة إلا من مكينة خياطة تعينها في الحياة ويتخرّج الجميع من الجامعات ويعملون ويتزوّجون، وفي أحد الأحداث السياسية التي قضى عدد من أطراف العملية السياسية حينها الذين أنهوا حياة زوجها؛ قالت بأسى: «يمهل ولا يُهمل» وكم كانت المرارة قاسية وهي تتذكّر فقدان زوجها. إن الشعوب لا تنسى وتحاكم من يخالف قيمها ولا يحترم تضحياتها بطريقة التوثيق التاريخي، والذي وصلنا بعبارات تصف القتلة مثل أبوجعفر السفاح في الدولة العباسية، ولن تنسى ذاكرة الشعوب مآسي النازية والفاشية في أوروبا، وذلك الدمار لأوروبا من قبل دول المحور حينها ألمانيا، إيطاليا، واسبانيا، واليابان. حقيقة تراكم من الصراعات والحروب قادت في الأخير إلى إعداد لاحق لها من الشهداء والجرحى، مرحلة مؤلمة يعيشها الأحياء من أسرة الشهيد لا تُنسى ولا يمكن أن تُنسى، ولكن هو اضطرار للانكفاء والتطبُّع من الحياة الجديدة. وأنا أكتب مقالي هذا إذا بمقارنة صعبة تدور مفادها: كيف تذهب دول وشعوب نحو العلم وتطوراته، فقد وصل أولئك إلى أن يؤجّلوا غضبهم ويضعوا ضوابط حتى لا يعودوا إلى القتل والتصفيات ومآسي الترمل واليتم وخسارة الوطن للكفاءة وكراهيات ما بعدها، بل إن الأممالمتحدة، وقد عاش العالم معاناة ذلك، جعلت أحد الأعوام المنصرمة قبل 5 سنوات عاماً عالمياً للتصالح، لكننا في اليمن لم نصل بعد إلى التسامح ولا التصالح؛ بل حالات من التشدد والتبرير، وحشد وتحميل العملية وتأجيجها حتى لا يكون هناك اعتراف بالوقائع وتمييع الظلم والضرر، بل العمل على تأجيج الوضع العام، وإثقال المجتمع بقضايا شائكة وخطيرة وإشغال المجتمع، وبالتالي قبوله بالواقع وعدم تفكيره بإدانة ما وقع عليه من ظلم والحيلولة دون إسقاط الحصانة أمام هول تفجير أنابيب النفط وقطع الكهرباء، وصعوبات الإصلاح والتكلفة الباهظة ورفع مستوى هذه الأهوال إلى اعتداءات إرهابية مثل حادث العرضي، واقتحام السجن واغتيالات القيادات العسكرية لإضعاف الأداء حماية ودفاعاً أمام تدفق لا حدود له من المخدرات والأسلحة والمواد التالفة والاختطافات للبشر والممتلكات وبالتالي استحالة الإدانة ورفع الحصانة وحصر المجتمع في الدفاع عن بقائه ووقوفه صامداً في الحد الأدنى من حياة الكفاف الإنساني لا إدانة ولا إسقاط للحصانة؛ وبالتالي لا تسامح ولا تصالح كون ذلك يعني ضمناً عدم اعتراف بالظلم الواقع وتبريره وتحصينه، وخلق حالة غبن ما بعده. إن حالة الظلم هذه تحجب تطلُّع الناس عن احتياجاتهم وخاصة الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والوصول إلى العمل؛ لكن استمرار تأجيج المواقف بالمقابل لن يصل إلى إغلاق ملف إلغاء الحصانة؛ بل سيخلق تحدياً وعنفاً مضاداً يصل إلى الانتقام ودخول البلاد في دوامة اللا استقرار. للحيلولة دون ذلك لابد من امتلاك الشجاعة والحوار المسؤول؛ وصولاً إلى محاكمة عادلة وحتى لا تتكرّر مأساة تصفية الناس بمبرّرات ليس بكافٍٍ التضحيات والصمت بل ليكف أولئك عن التصفيات، وليتقوا الله في أوطانهم ومواطنيهم وليتذكّروا الله سبحانه وتعالى أنه قد حرّم قتل النفس ورفع مكانتها إلى قدسية دينية أشد من هدم الكعبة؛ كونها أقدس موقع عندنا كمسلمين ويبذل المسلم روحه إذا ما حصل مكروه، والنفس كذلك مقدّسة عند الله تعالى، وكيف بالإنسان أياً كان لا يحترم ذلك وخاصة وهو في دولة وشعب لهما من الثوابت الدينية والدنيوية. ولا ينبغي للمسؤول الحكومي أمس واليوم أن يبرّر التصفيات للناس فهو محاسب عليها أياً كان عمره، فهل نحن اليوم نستوعب المحذورات الدينية فهي رادع لعدم التمادي..؟!. وحتى يتحقّق ذلك لابد من التحقيق ومعرفة الجُناة والتوجُّه إلى التسامح وتحديد المظالم ومعالجتها، ولنا في الإسلام مصالحات، فقدم لنا الرسول “صلّى اللله عليه وسلّم” بعد انتصاره في فتح مكة قدوة عندما قال لمن هزمهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» والعفو والتسامح يأتي من موقع القوة، وتجارب الشعوب المعاصرة في جنوب أفريقيا في تشكيل لجان المصالحة والوصول إلى مرحلة التحقق واتخاذ القرار بالمصالحة لتبدأ البلد عهداً جديداً وهو ما حدث في جنوب أفريقيا على مبدأ عدم النسيان سبيلاً للتسامح كون عدم النسيان حقاً للمعتدى عليه وكذلك تجارب مماثلة في بلد عربي المغرب. فهل يمكننا أن نتغلّب على جراحنا ونتسامح؛ فكل فرد لديه معاناة وظلم حتى يكف الظالمون عن استخدام عدوان آخر من الإرهاب والتفجيرات للثروات والنيل من الاحتياجات ماء وكهرباء ونفط.