إن للإنسان كرامة عريقة منذ أن أوجده الله على هذه البسيطة، وكرامته مميزة بتفضيله على كثير من الخلائق، لكن إبليس - عليه اللعنة – لم يعجبه هذا التكريم وهذا التفضيل فحاول إضلال عباد الله إلا قليلاً منهم وهم عباد الله المخلصون، يقول المولى عز وجل: «ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً» الإسراء -70؛ يقول المفسر السعدي – رحمه الله: «كرّم – الله سبحانه – بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرّمهم بالعلم والعقل، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة...»، وفي موضع آخر يقول تعالى على لسان إبليس: «قال أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلاً» الإسراء – 62، يقول السعدي أيضاً: فلما تبين لإبليس تفضيل الله لآدم قال: مخاطباً لله: «أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكنّ ذريته» أي لأستأصلنهم بالإضلال ولأغوينهم «إلا قليلاً» عرف الخبيث أنه لابد أن يكون منهم من يعاديه، ويعصيه». وهكذا معركة الحق والباطل مستمرة منذ بداية الخلق وإبليس يحد سنانه ويضل من تبعه واستلذ أهواءه وأباطيله وخطواته الإبليسية الشيطانية. وتتعدد هذه الخطوات الإبليسية، وإذا أردنا أن نتحدث عنها فلا تسعها مجلدات، ولكن الواقع اليمني المعاصر يذكرنا بذكرى ثالثة حلت على اليمن، هي الذكرى الثالثة لجمعة الكرامة التي كانت في ال18 من مارس 2011م، وكان قائدها إبليس وجيشه زبانيته من الجن والإنس، وخططوا أموراً جهنمية راح ضحيتها أكثر من 50 شهيداً من الرجال والشباب الطاهر في يمن الإيمان والحكمة. وإني قد كتبت مقالاً قبل عامين في الذكرى الأولى لمجزرة جمعة الكرامة طالبت فيه «بقضاء مستقل متمثلاً بالعدالة الانتقالية القائمة على العدل والقانون، والحذر ورباطة الجأش، مع التكاتف والترابط، وأن المرحلة المستقبلية ليست مرحلة ندب وعويل ونياحة بل هي مرحلة بناء تتطلب تصالحاً وطنياً صحيحاً وهيكلة حقيقية لجميع أفراد الجيش والأمن على أسس وطنية».. واليوم أقف وقفات أخرى حسب ما تسمح لي المساحة – بعد أن قطع اليمن شوطاً كبيراً في التغيير - قائلاً: لقد بلغ السيل الزبا، ومن ليس له من نفسه واعظ فلن تنفعه المواعظ، ومادام التحقيق واقفاً ولم يظهر القاتل، وزبانية القاتل يسرحون ويمرحون ويقلقون الأمن والأمان فيجب علينا أن نقف وقفات صادقة مع أنفسنا أولاً ثم مع غيرنا. هذه الوقفات تفرض علينا في الذكرى الثالثة لجمعة الكرامة استشعار الأمور الآتية: أولاً: أن كرامة الإنسان يجب أن تظهر في الواقع المعاصر، ويحرم قتله أو سجنه أو نهب ماله أو استباحة عرضه، ويجب أن يتم معاملته معاملة حسنة مهما كان لونه أو جنسه أو طبقته، وهذا يتجلى بوضوح بمعاملة البشر - بصورة عامة - وأهالي شهداء جمعة الكرامة وجرحاها - بصورة خاصة - معاملة صائبة، وتوفير السبل المناسبة لعيشهم وتعليمهم وحياتهم مهما كلف الأمر. ثانياً: يقول تعالى: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون» البقرة – 179؛ قال العلماء: «بواسطة القصاص: تنحقن الدماء وينقمع الأشقياء، وذكرت كلمة «حياة» لإفادة التعظيم والتكثير»، فإذا أردنا الحياة لابد من تطبيق شرع الله على كل فرد من أفراد المجتمع دون مواربة، ولنعلم أن التقوى مرتبطة بذلك التطبيق «لعلكم تتقون»، ومتى ما كان ذلك ديدننا فإن حياتنا ستستقر وستأمن. ثالثاً: لفت الأنظار إلى مخرجات فريق أسس بناء الجيش والأمن المنبثقة عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وتضمينها في الدستور الجديد، وأهمها أن: «القوات المسلحة ملك الشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها، ووحدة وسلامة أراضيها، وسيادتها، ونظامها الجمهوري، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات, ويحظر على أي فرد أو هيئة أو حزب أو جهة أو جماعة أو تنظيم أو قبيلة إنشاء أي تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية تحت أي مسمى»؛ لأننا في الوقت الحالي افتقدنا لهذه الأدوار الوطنية، وسمعنا ورأينا من يتغنى بحب الوطن والدولة المدنية الحديثة، لكن هناك من لايزال يحمل السلاح ويتمنطق به، ونرى أسلحة متنوعة بأيدي أشخاص أو جماعات أمام مرأى ومسمع الجميع؛ فيجب على الدولة أن تتنبه لذلك وتجسد دورها القانوني ودور الجيش الوطني حق التجسيد. رابعاً: كشفت بعض الصحف العربية وأخرى يمنية عن تحالف وثيق بين أنصار الرئيس السابق وأتباع جماعة الحوثي المسلحة على خط الصراع الدائر لإسقاط الدولة في أكثر من صعيد، الأمر الذي أدى إلى افتعال القلاقل والأزمات وتكبير الأشياء فوق قدرها في أكثر من موطن؛ فإن كان ذلك الكشف واقعياً فإننا نسأل أسئلة عدة مفادها: أين دور الدولة في كل ما يحصل؟ وهل هذا يخدم الوطن؟ وما هي الإجراءات والأساليب القوية التي يجب أن تقضي على الفتنة قبل انتشارها؟ وهو ما يجب علينا أن نجعل الوطن ومصلحته فوق المصالح الشخصية والعائلية وفوق كل حزب وفئة وجماعة، ونشد على أيدي الدولة في تفكيك تلك المنظومة الحاقدة على الوطن وأبنائه الشرفاء، كما يجب أن نوجّه نداء إلى رئيس الجمهورية والقيادة العليا للقوات المسلحة الشريفة أن تغيّر القادة العسكريين ممن كانوا موالين للنظام السابق؛ فلا يُستبعد أن تأخذهم العزة بالإثم ويتوالون وينسقون مع الشياطين من أجل تهديم اليمن وأهله، وقبل أن يقع الفأس في الرأس يجب تغييرهم في أسرع وقت؛ لأن النار تأتي من مستصغر الشرر، ولئن انتصر الباطل ساعة فإن الحق منتصر إلى قيام الساعة. [email protected]